طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (1)
أنا اسمى شاكر، عايش لوحدى، أعمل فى شركة عقارات، والدى ووالدتى رحمهما الله ، لدى اختين أكبر منى، مايسة وسعاد، ربتا منزل، وأخ اصغر منى، اسمه فريد ويعمل محامى، نتقابل فى المناسبات حيث أن جميعهم متزوجون ولديهم أولاد.
حياتى تقليدية اذهب للعمل فى الصباح، وأعود للمنزل الساعة الخامسة مساءا فأستريح لبعض الوقت ثم أخرج لمقابلة بعض الأصدقاء محترفى الجلوس على المقاهى، فهم حرفيا متواجدون على المقهى كل مساء حتى ساعات متأخرة من الليل أو بمعنى آخر حتى يغلق المقهى أبوابه.
كنت أجلس معهم لمدة ساعة أو ساعتين نتحدث، فى الأحداث ونضحك ونشرب أكواب الشاى، والقهوة، ثم أتركهم وأعود إلى المنزل.
كنت أتعجب كيف يمكثون كل هذا الوقت فى المقهى ثم ينهضون فى الصباح لعملهم حتى اكتشفت أن أحدهم وأكثرهم نشاطا الشاب أحمد، كان يتعاطى عقار “الترامادول” وكان هذا سر نشاطه الزائد وعدم شعوره بالأرهاق والتعب لفترة طويلة حتى وقع فجأة فى أحد الأيام، ودخل المستشفى وهو فى حالة سيئة للغاية.
واكتشف الأطباء تعاطيه الترامادول بكثرة، وظل فى المستشفى قرابة شهرين وخرج، لكنه لم يعد مثل السابق فقد أصابه الهزال، وخسر نصف وزنه، وظهرت عليه علامات الشيخوخة رغم أنه مايزال فى الأربعين من عمره.
كنت أعود إلى المنزل أتناول عشاء خفيف ثم أحاول أن أنام مبكرا حتى استيقظ فى الصباح لأكون فى عملى الساعة التاسعة صباحا أو قبلها بدقائق حتى أتجنب جزاءات التأخير، لكننى عندما استلقى على السرير وأحاول النوم ياتى مباشرة صوت السيدة أشجان جارتنا وهى تصرخ فى أولادها، ولا أعرف سببا لصراخها، لكنها اعتادت الصراخ كل مساء فى حضور زوجها الذى يشاركها أحيانا الإثارة ويعنفها هى والأولاد ويتوعدهم بالضرب، ويستمر هذا لمدة ما يقرب من الساعة حتى تختفى أصواتهم، فأستعد لمحاولة النوم مرة أخرى، ولا أكاد أغفو حتى أسمع صوت دراجة بخارية بدون (شكمان) تهز أرجاء المكان، وتتوالى الأصوات، سماعات سيارة تمر من الشارع تشّغل أغانى شعبية صاخبة، أو مجموعة من الشباب يتحدثون بصوت عالى أسفل العمارة، وهكذا حتى تقترب الساعة من الرابعة فجرا وأنا ما زلت فى السرير أحاول أن أنام، واسمع بعدها آذان الفجر فأقوم من السرير لأصلى وأنا شبه نائم ثم أعود إلى السرير مرة أخرى.
وأخيرا هدأت الأصوات وأنا فى قمة التعب فأنام فجأة دون أن أشعر بتسلل النوم المعتاد.
بعد ساعتين يوقظنى صوت المنبه وأنا مازالت نائما لا أستطيع النهوض، فأتمالك نفسى وأحاول أن أفتح عينى رغما عنها.
انهض من السرير آليا، وافعل كل شىء كأنى زومبى، أنزل فاستقل السيارة حتى أصل إلى المكتب وأنا لا أذكر أى شىء مررت به فى طريقى.
اقرأ أيضا: طارق متولى يكتب: الرضا والسعادة
وتتلبسنى حالة الزومبي فأتكلم مع كل الزملاء والمدير بطريقة هادئة بدون أى رد فعل، وأحيانا بكلمات غير مفهومة أو غير مناسبة لموضوع الحديث حتى أن المدير كان لديه قناعة أنى اتعاطى المخدرات والعجيب أنه كان يعاملنى جيدا لهذا السبب ويمزح معى على اعتبار أنى صاحب مزاج عال، ويضحك على كلامى وطريقتى، ولا يدرى أننى فى حالة زومبى ليس أكثر.
فى هذا اليوم كنت على موعد لتناول طعام الغذاء عند اختى مايسة، ولكى أقابل أثناء الغذاء صديقتها ايناس وابنتها روضة التى رشحتها لى كعروسة فهى دائما تلح على لأتزوج .
بالفعل ذهبت إلى مايسة، وقابلت صديقتها وابنتها، وبعد الغذاء حاولت أن أدخل أى غرفة لأستريح قليلا فأتت اختى ونهرتنى كى أجلس مع روضة واتكلم معها، فقمت مرغما، وجلست مع روضة، وتركت أختى وصديقتها لنا غرفة الجلوس لنتكلم بحرية ونتعرف على بعض، وكنت قد وصلت لمرحلة فصل الحواس فكنت أراها أمامى شبح وأحاول أن أعتذر لها عن حالة التعب والإرهاق وفى نفس الوقت اتثائب طوال الوقت.
وفجأة تنبهت على صوت أختى توقظنى وهى غاضبة وتقول: “أنت نمت؟!” فتحت عنيا فلم أجد روضة، سألت: ماذا حدث؟.. أين روضة؟.. أجابت: “غادرت هى وأمها بعد ما حضرتك نمت وهى تحدثك”.
اعتذرت لها وقلت لها سوف اتصل بمامتها، واعتذر لها، فراحت تلقى على النصائح عن فائدة الزواج وأنه سوف يوفر لى الراحة وتنظيم الوقت حتى لا أعيش هكذا فوضى وإرهاق وتعب.
عدت إلى البيت وأنا فاصل تماما، كانت الساعة لم تتجاوز التاسعة مساءا، ذهبت إلى الفراش مباشرة نمت فى الحال دون أن أسمع أى أصوات ولا أى شىء.
انتهى اليوم ونلتقى مع تفاصيل يوم أخر من يوميات زومبى.