ما بعد الانتخابات.. هل نحن أمام عراق جديد ؟
تقرير يكتبه: هاني الجمل:
هل نحن أمام عراق جديد، أم زلزال سياسي يضع حداً للتدخل الإيراني السافر في شؤنها؟!.
وإلى متى ستظل الوجوه السياسية التقليدية جاثمة على صدور العراقيين؟!
وأسئلة أخرى كثيرة يطرحها المراقبون في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، التي وجهت ضربة قوية لأنصار إيران في العراق.
والقراءة المتأنية لهذه النتائج تشير إلى عدة حقائق، أولها أنها جاءت في ظروف اضطرارية أملتها معطيات وضغوطات الحياة السياسية العراقية منذ انطلاق “حراك تشرين الشعبي” في الأول من أكتوبر 2019، والذي كان من نتائجه إقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، وإقرار قانون انتخابي جديد، والاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتعطيل عمل المجالس المحلية في كل المحافظات.
ترسيخ دعائم الدولة
ورغم الإقبال الضعيف على الانتخابات، فإن المتفائلين بمستقبل العراق يرون أن تلك العملية سترسخ من دعائم الدولة العراقية، وتعد خطوة رئيسية لإضعاف القوى التي تعمل على إضعاف العراق داخلياً وخارجياً.
ويرى أنصار هذا الرأي أن المشاركة في العملية الانتخابية واجب وطني تمليه طبيعة المرحلة التي يمر بها العراق باعتبارها الوسيلة الديمقراطية التي من الممكن أن يتحقق من خلالها التغيير والإصلاح، لاسيما بعد القانون الانتخابي الجديد والآلية التي اعتمدتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي من المفترض أنها لا تسمح بتزوير الانتخابات أو التلاعب في نتائجها.
نظرة تشاؤمية
أمّا المتشائمون فيرون أنه لا فائدة مرجوة من الانتخابات لأن ظاهرة الفساد ستظل مستمرة وأن نتائجها ستعيد نفس الوجوه والقوى السياسية التي لم تقدم شيئاً للعراق في المراحل السابقة، كما لم تحاسب الحكومة قتلة المتظاهرين والنشطاء، فضلاً عن استمرار وجود الميليشيات وسطوتها في صُنع القرار السياسي.
كما يرى هؤلاء المتشائمون أن على الرغم من ظهور العديد من الأسماء المستقلة في الانتخابات، وبزوغ مسميات جديدة للتحالفات السياسية الانتخابية التي حاولت استمالة الشارع العراقي الغاضب من الأوضاع المتردية في البلاد؛ فإن المتتبع للعديد منها يجد أن أغلبها من القوى السياسية التقليدية التي حكمت العراق منذ عام 2003 ولكن بوجوه جديدة.
ونظرة متروية
ورغم هذه النظرة التشاؤمية فإن النظرة المتروية لنتائج الانتخابات ربما تنسج – حسب المتفائلين – خيوطاً جديدة لفجر أكثر استقراراً في العراق ويجنبها بعضاً من التدخل الإيراني السافر في شؤنها. فالنتائج المذكورة تؤكد تصدر الكتلة الصدرية بحصولها على ما يقرب من 73 مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان العراقي البالغة 329 مقعداً.
وجاء تحالف ” تقدم” الذي يقوده محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان المنتهي ولايته، في المرتبة الثانية بـ 38 مقعداً، ثم ائتلاف ” دولة القانون” الذي يترأسه نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بـ 37 مقعداً ، فيما حصد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني 32 مقعداً، وتحالف كردستان 17 مقعداً، وتحالف “عزم” 15 مقعداً، والاتحاد الوطني الكردستاني 15 مقعداً، وتحالف الفتح 14 مقعداً، وكتلة الجيل الجديد 9 مقاعد.
كما حصلت حركة امتداد وإشراقة كانون (وهي من حركات الحراك الشعبي) وعدد من المستقلين على مقاعد تتراوح بين 35 و38 مقعداً. بينما حصلت حركة بابليون، التي يتزعمها ريان الكلداني القيادي في الحشد الشعبي، على 4 مقاعد من بين 5 مقاعد للأقلية المسيحية، فيما كان المقعد الخامس من نصيب شخصية مستقلة.
مناوشات حزبية
ومع تصدر الكتلة الصدرية للنتائج يتبادر إلى الذهن تساؤل عن إمكانية تشكيلها للحكومة المقبلة في العراق، من خلال تحالف سياسي بين هذه الكتلة والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف “ تقدم ” ،حيث يمكن لهذا التشكيل أن يؤمن الأغلبية البرلمانية، وبالتالي تشكيل حكومة دون أي مشاركة من القوى السياسية أو الفصائل المسلحة المقربة من إيران، بما في ذلك ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي. الإجابة على هذا التساؤل جاءت سريعة من قبل ائتلاف ” دولة القانون” الذي استضاف رئيسه نوري المالكي في منزله اجتماعاً لخصوم الصدر من الشيعة، والذي شهد تفاهمات حول مسارين، الأول إجراء تفاهمات مع قوى سياسية أخرى (شيعية – سنية – كردية) بهدف تكوين الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة المقبلة، مقابل حليفي الصدر المحتملين وهما “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، وكتلة ” تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي.
أمّا المسار الثاني فهو الاتجاه لرفض نتائج الانتخابات. ورغم أن عمليات العد والفرز اليدوي والطعون أسفرت عن حصول زيادة في مقاعد ” تحالف الفتح” من 14 مقعداً إلى 17 مقعداً، فإن الصدريين الذين حصلوا على 73 مقعداً يبقون الكتلة الأكبر التي يتعين عليها تشكيل الحكومة الجديدة.
خلافات دستورية
وفي هذا الإطار، عاد الجدل من جديد بشأن ” الكتلة الأكبر”، ففيما يرى الصدريون أن الكتلة الأكبر هي القائمة الفائزة بأعلى الأصوات، فإن خصمهم ” ائتلاف دولة القانون” يرى أن الكتلة الأكبر هي التي ستتشكل داخل مجلس النواب من كتل وقوائم مختلفة.
ويقول الخبير القانوني العراقي طارق حرب، “إن الكتلة الصدرية هي الكتلة الأكثر عدداً التي ستكلف بتشكيل الحكومة طبقاً للمادة 45 من قانون انتخابات النواب والمادة 76 من الدستور، وأن رئيس الجمهورية الذي سيتم انتخابه من البرلمان ملزم بتكليف الكتلة الصدرية دون سواها من الكتل لترشيح المكلف بتشكيل الحكومة، لأن النتائج الانتخابية أظهرت تفوق هذه الكتلة على الكتل الأخرى” .
وأشار حرب إلى أن “تفسير المحكمة الاتحادية العليا قد تم ضبطه وتحديده في المادة (45) من قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لسنة 2020، التي منعت انتقال عضوية نواب من كتلة إلى أخرى، وهو أمر ساهم سابقاً في اضطراب عملية تحديد الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان”.
وتابع أن ” منع الانتقال للعضو أو للأعضاء من كتلة كاملة يعني أن الكتل النيابية تكون أعدادها ثابتة ولا تتغير، كما وردت في النتائج النهائية، ولا يمكن زيادتها بالانتقال الذي منعته المادة المذكورة، وحيث إن الكتلة الصدرية الأعلى عدداً من الفائزين، لذا فإنها ضمنت تكليف رئيس الجمهورية لها”.
وبلغة أكثر وضوحاً قال حرب ” إن الانتقال يختلف عن الائتلاف؛ فالأول يتم حسابه كعضو في الكتلة المنقول إليها، والائتلاف لا يضيف شيئاً إلى أعداد الكتل، لأن الائتلاف يُبقِي على نفس عدد الأعضاء للكتل دون تغيير، إذ تبقى الكتلة على أعدادها دون زيادة”. وأكد أن ” ما حصل في انتخابات 2010 عندما نال المالكي 89 صوتاً وعلاوي 91 صوتاً، ولكن الانتقال (انتقال نواب من كتلة إلى أخرى) كان مفتوحاً، لذلك انتقل عدد من الأعضاء للمالكي ما جعل أعداد كتلته أكثر من 100 صوت، أي أكثر من عدد أصوات علاوي، ما ترتب عليه تكليف المالكي بتشكيل الحكومة”.
رؤية خبير قانوني
وتختلف تلك الرؤية عمّا قاله الخبير القانوني علي التميمي، الذي أوضح ” أن تفسيرات المحكمة الاتحادية العليا 2010 و2014 تؤكد أن الكتلة الأكثر عدداً هي إمّا التي تكونت بعد الانتخابات من قائمة واحدة، أو التي تكونت من قائمتين أو أكثر، فأصبحت الكتلة الأكثر عدداً في الجلسة الأولى بعد أداء اليمين” .
وأضاف التميمي أنه ” بعد صدور قانون الانتخابات 9 لسنة 2020 في المادة 45 التي منعت الكتل والأحزاب والكيانات من الانتقال إلى كتلة أو حزب آخر إلاّ بعد تشكيل الحكومة التي أجازت الائتلافات بين الكتل، أي أن الشرط الثاني من تفسير المحكمة الاتحادية العليا وفق مادة 45 أصبح معطلاً بسبب منع الانتقالات، ولكن الشطر الثاني من هذه المادة أجاز الائتلاف بين الكتل والأحزاب، وهي غير التكتل أو التجمع الذي يشير له تفسير المحكمة الاتحادية العليا؛ لأن هذا يعني أن تحتفظ كل كتلة بكيانها دون أن تصبح مع الآخرين كتلة واحدة” . مشيراً إلى ” أن الكتلة الأكثر عدداً هي التي تفوز بأكثر الأصوات ابتداء، وهي التي سيخرج منها رئيس مجلس الوزراء والوزراء”.
الأكراد وترجيح الكفة
وأمام هذا السجال القانوني فإن كل الاحتمالات تظل واردة فيمن يحق له تشكيل الحكومة العراقية، ومن سيتولى السلطات الثلاث وهي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، حيث تبدو حظوظ الأكراد كبيرة في ترجيح كفة الفائز في المواقع الثلاثة.
فالحزب الوطني الديمقراطي الكردستاني تمكن من حصد 33 مقعدا محتلاً بذلك المرتبة الرابعة على صعيد تسلسل القوى البرلمانية العراقية الأكبر، والذي حل بعد الكتلة الصدرية وتحالف تقدم وائتلاف دولة القانون، بعد أن كان يملك سابقا 25 مقعداً.
كما حل ثانياً بعد الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تمكن من إحراز 17 مقعداً محافظاً تقريباً بذلك على عدد مقاعده، خلال الدورة السابقة والبالغة 19 مقعدا.
فيما سجّلت حركة الجيل الجديد صعوداً لافتاً، تجسد في حصولها على 9 مقاعد، في حين أنها كانت تملك فقط 3 مقاعد خلال الدورة البرلمانية المنتهية، محققة بذلك المركز الثالث في صفوف القوى الكردية العراقية، متجاوزة أحزاباً وحركات قديمة مثل حركة التغيير، التي فشلت في كسب أي مقعد برلماني، وهي التي كانت تملك 4 مقاعد خلال الدورة البرلمانية السابقة.
وفي هذا الإطار يقول عضو البرلمان العراقي السابق هريم كمال أغا “تمكنا كقوى كردستانية من رفع اجمالي عدد مقاعدنا خلال الدورة البرلمانية الجديدة، وهي علامة ايجابية تؤشر إلى أن الأكراد طرف محوري ووازن في المعادلات البرلمانية والسياسية العراقية”.
وأضاف أغا: “من المبكر الحكم الآن على طبيعة التطورات والمباحثات بين مختلف الأطراف ومنها الكردية، لكن قطعاً سيحرص الأكراد على لعب دور إيجابي وتفاعلي يعمل على تكريس التوافق والتفاهم بين مختلف المكونات، خاصة أن علاقاتنا جيدة وبنّاءة مع مختلف الأطراف الشيعية والسنية وغيرها”.
أمّا الباحث والكاتب طارق جوهر، فيرى” أن الأطراف الكردية محكومة أولاً بالتوافق فيما بينها في بغداد، وإلاّ فإنها لن تشكل رقماً صعباً في المعادلات والصفقات تحت قبة البرلمان، فنحن مقبلون على معارك سياسية حامية، وعلى مفاوضات ماراثونية للاتفاق والتوافق حول حزمة الرئاسات الثلاث، وعلى الأكراد التوحد لتثبيت حقوقهم ودورهم الوطني العام في العراق”.
ضربة موجعة لإيران
وفي ضوء ما ظهر حتى الآن من نتائج يمكن القول إن الفصائل الموالية لإيران تلقت ضربة موجعة جعلت بعض قادتها يعلنون رفضهم المطلق للنتائج، ويؤكدوا سعيهم لفعل ” كل شيء” لإلغائها، الأمر الذي يعني أن إيران والقوى المقربة منها ربما تبدأ مرحلة تصعيد في الداخل العراقي، لتجاوز نتائج الانتخابات البرلمانية التي قد تخرجها من السلطة تماماً.
وفي النهاية يبقى تساؤل: هل نحن أمام عراق جديد؟ الإجابة ستكون واضحة بعد اختيار المناصب الرئيسية الثلاثة هناك وهي رئاسة العراق، والبرلمان، ورئاسة مجلس الوزراء، وحينها سنعرف إذا كنا أمام عراق جديد بمقدوره مواصلة السير لإكمال ما بدأه مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء، الذي أوفى بكل تعهداته، ونجح في جعل العراق عضواً فاعلاً في محيطه، وهذا ما يتمناه المحبون للعراق في الداخل والخارج، أم ستواصل إيران تدخلها السافر في شؤون هذا البلد الذي كان يوماً حارساً للبوابة الشرقية من وطننا العربي.