د. ناجح إبراهيم يكتب: أيام من حياتي   

“أيام من حياتي” هذا هو عنوان المقال الذى كتبه الدكتور ناجح إبراهيم، يتناول فيه قبسا من سيرته منذ ميلاده، وأيامه السعيدة، وغيرها من أيام، وبداية تجربته فى الكتابة، وغيرها من المواقف، وفى التالى نص المقال المنشور في جريدة المصري اليوم:

  • بعد أن ولدت بسنوات لاحظت أسرتي أن لدي صعوبات في النطق,لم يكن أطباء التخاطب منتشرون وقتها,أشار البعض علي أسرتي أن تذبح الهدهد أو الغراب علي رأسي، وقيل أنه ذبح غراب، وهدهد علي رأسي، ثم فك الله عقدة لساني فحسن حديثي حتى صرت ضمن طاقم الإذاعة المدرسية في الثانوية وحصلت علي جوائز منها,نعمة البيان هي أعظم نعمة.
  • حينما كنا صغاراً كنا نحب القراءة بشكل لا يعرفه هذا الجيل,ويعود الفضل في ذلك لأخي الأكبر صلاح حيث كان متفوقاً ومثقفاً.
  • شقيقي صلاح هو الذي حببنا في قراءة القصص والروايات فكان يعمل في الدراسة ويشتري الكتب والقصص والروايات المستعملة بقرش لكل واحدة,وهذا جعلني اقرأ كل روايات شكسبير,أبسن وأجاثا كريستي,والروايات الروسية المترجمة وروايات يحيي حقي,يوسف السباعي وحسين مؤنس وغيرهم ثم نشترك في الإجازة الصيفية في المكتبة ونستعير القصص والروايات الكبرى المصرية والمترجمة,كانت الترجمات رائعة.
  • وهذا ما جعل أسلوبي في الكتابة جيداً منذ صغري,وأفضل من تعلمت منه الأسلوب الجميل جورجي زيدان فقد قرأت كل قصصه,وذلك بصرف النظر عن مطابقة رواياته التاريخية لوقائع التاريخ الإسلامي الحقيقي,ولكن أسلوبه كان فريداً وممتعاً ومشوقاً.
  • تجربتي الأولي في الكتابة كانت في السنة الأولى الثانوية,كانت تجربة ساذجة,فقد قرأت عدة كتب عن فلسطين ثم شرعت في كتابة كتاب عن فلسطين، أتأمل هذه التجربة الآن تارة بالفخر لمحاولتي الكتابة مبكراً ولأنني كنت منفعلاً مثل جيلي بقضايا أمتي، وتارة باتهام نفسي بعدم النضج وقتها فقد كانت التجربة دون عمق أو دراسة كافية للقضية التي سأكتب عنها، أسلوب كتابتي تطور من فترة لأخرى وما زالت أحبو حتى الآن.
  • كثيرون استفدت منهم في طريقة كتابتي منهم د/محمود سعادة رئيس المركز القومي للبحوث الذي اخترع وقود الصواريخ الروسية المضادة للطائرات، والمبدع خالد محمد خالد الذي اعتبره صاحب أجمل قلم، وأستاذي د/أحمد كمال أبو المجد صاحب القلم الرائع، ومن كثيرين آخرهم محمد القوصي.
  • أكثر راوية قرأتها وأنا صغير وما زالت عالقة في وجداني”أم الخير”لحسين مؤنس، والرواية الإيطالية”بائعة الخبز”.
  • الأيام المؤلمة في حياة أسرتي كثيرة، ولكن من أفدحهاً يوم أن دهست سيارة نقل شقيقي محيي وكان من النوابغ فهو الأول علي المحافظة ويكبرني مباشرة، يومها جري الجميع 3 كم وهم يبكونن بعضهم حافياً لنجد جثة يحيي مغطأة بأوراق الشجر ثم رحلة مضنية حتى الدفن بعد إجراءات النيابة والبوليس.
  • كان كل منا في مرحلة أشبه بالغيبوبة,ولولا تشابك الأهل والجيران والأصدقاء في مثل هذه الظروف لمرت كل دقيقة وكأنها دهر، ومن يومها وأنا أحزن بشدة علي كل مصابي وشهداء حوادث السيارات والقطارات وأعيش آلامهم وأحزانهم.

طالع المزيد| تنام ١٢ ساعة وتصحو كأنك لم تنم.. ما الذي يسرق طاقتك أثناء النوم ؟!

  • من أكثر المواقف التي لا أنساها في حياتي فجيعة أسرتي بخبر استشهاد ابن خالتي، مراد سيد عبد الحافظ بطل القوات الخاصة في تصفية الثغرة الحاصل علي نجمة سيناء والذي خلدت ذكره وزارة الدفاع بكتاب “الحصان الأبيض” ومعها خبر إصابة أستاذي وشقيقي صلاح، وتمزق الأسرة بينهما، لا أدري كيف مرت هذه الأيام بسلام، فقد كنا نتصرف وكأننا آلات تتحرك دون أن تدري ما تفعل، مرحلة أشبه بالغيبوبة.
  • من أقدار طفولتي العجيبة أن أسرتي وأسرة زعيم اليساريين في جامعة أسيوط صلاح يوسف كانوا أصدقاء فقد كان أ/ يوسف عبد الحافظ رئيساً مباشراً لوالدي وكان كلاهما مشهوراً بالأمانة والدقة والمهنية وكان صلاح وأشقاؤه يحضرون إلي منزلنا باستمرار وخاصة بعد وفاة والدتهم، ولنا صور كثيرة سوياً في عمر الطفولة مع الأسرة جميعاً.
  • ما اختلفت مع أمي في رأي طوال سنوات عمري إلا وكان رأيها هو الأصوب والأحكم، أما أبي فكان رجلاً حكيماً صبوراً يتكلم قليلاً ويردد أمامنا دوماً ونحن صغار” وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا” ، ولو أنني استمعت لحكم أبي وأمي ما وقعت في المزالق الكبرى التي وقعت فيها، ولوفرت علي نفسي الكثير من الأخطاء.
  • أجد نفسي وربي دوماً عند شريحتين كبار السن وخاصة المرضى والفقراء منهم وكذلك الأطفال، ولذا أحاول في كل مراحل حياتي إكرامهم والعطف عليهم، وقد وجدت ذلك في الحديث القدسي “أبغوني في الضعفاء”.
  • كلما تأملت حياتي أجد أن الله أكرمني بمهنة الطب السامية التي أعانتني علي صنع الخير وبذل المعروف والتخفيف عن الناس وحسن التواصل معهم، ولو كنت تاجراً مثلاً لفشلت أو سجنت حيث أنني أتحرج دوماً من طلب حقوقي.
  • كان أكثر دعاء والدي لي وكان رجلاً صالحاً ذاكراً متصوفاً “يارب كل مريض يأتي إليك يشفي” واعتقد أن هذا الدعاء صاحبني دوماً وكان سبباً في نجاحاتي الطبية مع اجتهادي مهنياً وأخلاقياً.
  • من نعم الله عليَّ أن حببني في الفقراء والأيتام ورغبتي في القرب منهم، وأشعر أنهم يقرأونني فأسير أحياناً مع عدة أشخاص فيتركونهم ويسألونني حاجتهم دون معرفة سابقة.
  • أمي وزوجتي وأختي الكبيرة قمة من قمم النساء المثاليات في حياتي، وكلهن أصحاب تضحيات عظام وفضل كبير.
  • أرجى عمل أرجو أن يتقبله الله مني هو مساهمتي الفعالة مع أحبه كرام لي في تدشين وتفعيل مبادرة منع العنف فقد كانت سبباً في حقن الدماء وتفريج الكربات ونشر السلام والطمأنينة، ودائماً أردد”إن لي كان لي عمل أرجو به العافية في الآخرة فهو مبادرة منع العنف فهي إحدى صدقاتي الجارية وتصحيحاً لكل الأخطاء التي سبقتها”.
  • إن أردت تلخيص حياتي لن أجد أفضل من هذه الأية: “وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.
  • أكثر ما يسعدني في حياتي إنني في كل مراحل حياتي أنني لم أحمل حقداً ولا حسداً لأحد ولم أرغب في شيء في أيدي الناس,وأحب الناس كل الناس سواءً اتفقت أو اختلفت معهم، حتى أنني أحب أي مكان أعيش فيه، وأعتقد وأنا في هذا العمر أن الحب هو أسمى فضيلة تستجلب كل الفضائل، وأن الحقد والكبر هما أسوأ رذيلة تجلب كل الرذائل، وأن معاصي القلب والباطن أشدا خطراً من معصية الظاهر.
  • هذه بعض ذكريات جالت بخاطري وأنا أودع عامي الرابع والستين، رحلة حياة مضنية أرجو أن تتوج دوماً بالحب والرحمة والعفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
زر الذهاب إلى الأعلى