أميرة خواسك تكتب: السينما المشبوهة!

إذا كانت حرية الإبداع تعنى أن نترك القائمين على العمل الفنى يتناولونه كما يشاءون، فما هى حرية الجمهور؟!.. هذا سؤال تحاول الكاتبة الصحفية أميرة خواسك أن تجاوب عنه فى هذا المقال المنشور فى جريدة الوطن الأربعاء 21/10على خلفية فيلم “ريش” المثير للجدل هذه الأيام، وفى التالى نص المقال:

نُشرت أخبار عديدة حول غضب عدد من الفنانين الذين حضروا عرض فيلم «ريش»، الحائز على جائزة النقاد فى الدورة الستين من مهرجان كان، الذى أقيم فى شهر يوليو الماضى، حتى إن بعضهم لم يكمل مشاهدة الفيلم وخرج أثناء عرضه، معللين غضبهم بإسراف الفيلم فى مشاهد الفقر وأنه لا يقدم صورة حقيقية للمجتمع المصرى.

والحقيقة أننى لم أشاهد الفيلم حتى الآن حتى أكوَّن رأياً حوله، ولا أريد أن أتسرع فى الحكم عليه، لكن من ناحية أخرى، وبعيداً عن هذا الفيلم تحديداً، وهو إنتاج مصرى هولندى فرنسى يونانى، لا أثق كثيراً فى تلك الأفلام التى تتجه بإنتاجها لجهات أجنبية أو تغازل الغرب لترسخ صورة ذهنية مشوهة حول واقعنا المصرى، وهى تتجه فقط لجهاتها الإنتاجية والمهرجانات الدولية التى تفتح ذراعيها لها، وللسادة النقاد أصحاب عبارة حرية الإبداع بلا شروط.

طالع المزيد| أميرة خواسك تكتب: حقوق الإنسان من الداخل!

لهذا كثيراً ما أقابل هذه الأفلام بعدم اكتراث مبنى على تاريخ ليس ببعيد لهذه الأفلام، وغالباً ما يكون مصيرها فى قاع نسيان الجمهور المصرى والعربى!

فكم عرضت أفلام وأثارت ضجة وأساءت للمصريين بالمبالغة فى عرض حياة الفقر والعشوائيات والأمراض الاجتماعية وحتى الأمراض الجسمانية والانحراف الأخلاقى، وكانت تبحث عن كل الرذائل بإبرة فى كوم قش، ثم آلت نهايتها إلى لا شىء، فقد لفظها الجمهور فى مصر والعالم العربى، وأعرض عنها وانتهت بانتهاء عرضها، بل ومعظمها حقق خسائر مالية.

والغريب أن الجهات الممولة لتلك الأفلام لم يكن قياس رأى الجمهور أو إقباله من اهتماماتها، ولا أعرف تحديداً ما المعايير التى يحصل بها صناع هذه الأفلام على تمويل الجهات الأجنبية؟

المهم أنه على مدى سنوات عديدة والسينما المصرية تعانى من هذه الموجة المشبوهة والممولة إنتاجياً من مؤسسات أجنبية.

والغريب أننى لا أتذكر فيلماً واحداً من تلك الأفلام مشتركة الإنتاج لم تكن به مشاهد قبيحة باسم الواقعية، ولا يمكن لأحد أن يحصى عدد تلك الأفلام الروائية التى تشوه مجتمعنا باسم الواقعية، فكم من الجرائم قد ارتكبت فى حق هذا البلد باسم الواقعية وحرية الفن، كما لو كانت الواقعية وحرية الإبداع أمراً مستحدثاً على مصر التى نعلم جميعاً تاريخها العظيم فى الإنتاج السينمائى.

لن أتناول أمثلة كثيرة لأفلام واقعية ما زالت تعيش فى ذاكرتنا، ونكرر مشاهدتها بكل استمتاع واحترام، مثل أفلام صلاح أبوسيف ومحمد خان وعاطف الطيب، وغيرهم ممن أمتعوا الجماهير وقدموا الفن السينمائى برقى واحتراف، وما زلنا إلى اليوم نفتقدهم ونفتقد إبداعهم.

على العكس من السينما الروائية ذات الإنتاج المشترك، كانت السينما التسجيلية المنتجة بدعم خارجى تقدم أعمالاً عديدة ومهمة عن مصر، وتجوب مدنها وقراها، شوارعها وأزقتها، وتغوص فى تاريخها، وكان بعضها أحياناً يسعى وراء القبح، لكنها لم تؤلمنا كما آلمتنا السينما الروائية.

حرية الإبداع أن نترك القائمين على العمل الفنى يتناولونه كما يشاءون، لكن حريتنا نحن الجمهور أن نشاهده أو لا نشاهده، أن نحتفى به أو نلقى به وراء ظهورنا، وكما أننا نعطيهم حرية تقديم ما يشاءون، فلدينا حرية القبول أو الرفض.

زر الذهاب إلى الأعلى