ناقد أردنى يكتب عن قاصة مصرية ومجموعتها القصصية «الخروج من قبو الميتافيزيقا»
فى دراسة له منشورة فى مجلة “آفاق حرة” الثقافية الأردنية، تناول الأديب الأردنى، والمحرر الثقافى للمجلة، محمد فتحى المقداد، بالنقد، أو ما أسماه “بطاقة تعريفية” للمجموعة القصصية: “الخروج من قبو الميتافيزيقا” للقاصة المصرية الشابة “عبير نعيم”.
المجموعة صدرت حديثاً في القاهرة، واستقبلها جمهور القراء بحفاوة، وأشاد بها عدد من النقاد.
ووصف الناقد الأردنى المقداد مجموعة “الخروج من قبو الميتافيزيقا”، التى تشتمل على عشرة نصوص بأنها “جاءت مُركّزة حول جدلية فكريّة قديمة متجددّة، ذات مفاهيم بعيدة”.
وفى التالى نص الدراسة:
العقل البشري دائم البحث بقضايا الوجود، وتشغله كثيرًا قضايا الخَلقْ والنشأة والوجود، حتى يصبح هاجسًا حقيقيًا لا يهدأ أبدًا.
طالع المزيد| الكاتبة النمساوية سونيا بوماد.. ثقب الذاكرة الأسود ساعدتني في تخطي أزمة كورونا وأضع نفسي مكان القارئ قبل أن أكتب
فالوجود لا بد له موجد بالضرورة، وموجد الوجود هو الإله الواحد الأحد، الذي لم تدركه طبيعة العقل البشريّ القاصرة، وكون الإله كفكرة غير مادية ملموسة لها حيّز أو ذات حجم، كان ذلك مُحفّزا للبحث الدائم عن طبيعة وكُنه الإله، الذي لم تُدرك إلّا آثار قدرته المحسوسة والملموسة، ومن هنا نشأت قضية الإيمان بالغيب.
ومع تنّوع طرائق التفكير في السعي الحثيث للبحث عن الإله، ونبيّ الله إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، بداية آمن بظاهرة الشمس لمّا تفكّر وتأمل فيها، فقال: “هذا ربي”، وكذلك للقمرأفِل، جاء التفصيل القرآني;
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76الأنعام)
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (الأنعام77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (الأنعام78)
“ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260/ البقرة)
القارئ لنصوص المجموعة لا بد أن تتكوّن لديه، فكرة مُحاكاة ما ورد في القرآن الكريم فيما ورد بخصوص سيدنا إبراهيم السلام، وقصة الخلق والبدء والنشأة.
العنوان:
معروف أنّ أيّ عنوان هو واجهة النص، وهو عتبة دخول مشروعه إلى رحاب النص، الغوص في بواطنه، وربما تأتي بعض العناوين المُحكمة، لتلخيص فكرة الكتاب ومآلاتها التأويليّة.
وبالتوقف أمام عنوان المجموعة “الخروج من قبو الميتافيزيقا“، وهو عنوان النص الأول في المجموعة حسب ترتيبه، وفيه وصف دقيق لعملية الولادة الأولى، ووصف دقيق للضيق والضنك الذي يُعانيه الجنين، من هنا تبتدئ رحلة الحياة، والبحث عن الإله.
وفي كلمة “قبو” يتبادر للذهن الظلام والضيق، والمغارة والكهف، وكلها تجور في فلك المعنى المراد.
وفي تبسيط لمفهوم كلمة “ميتافيريقيا”، التي أصبحت مصطلحًا دلاليًا على:”ما وراء الطبيعة أو الماورائيات أو الميتافيزيقا، هو فرع من الفلسفة يدرس جوهر الأشياء. يشمل ذلك أسئلة الوجود والصيرورة والكينونة والواقع. تشمل المواضيع التي
تبحث ما وراء الطبيعة فيها كلا من الوجود، والأشياء وخواصها، والمكان والزمان، والسبب والنتيجة، والاحتمالية”.
العنوان جاء على محمل أربع كلمات “الخروج”، و”من”، و” قبو”، و”الميتافيزيقا”، نخلُص إلى فكرة القلق والتمرّد الداخليّ إلى المألوف، والعودة إلى فكرة البداية، والبحث الدائم عمّا غاب عن العقل، واحتجب عنه، والإنسان بطبعه عدوّ ما يجهل.
في رحاب النصوص:
توصف المجموعة “الخروج من قبو الميتافيزيقا“، بأنها جاءت مُركّزة حول جدلية فكريّة قديمة متجددّة، ذات مفاهيم بعيدة، تحثّ على إعمال الفكر، وإشغال العقل بالبحث عن الذات، “من أنا؟”، “ولماذا خلقت؟”، و”كيف خُلقتُ؟”.
“الخروج من قبو الميتافيزيا”، و”أعمار الموتى”، و”جزء من اليقظة”، و”فوتوغرافيا”، و”رسالة من عصفور طليق”، و”كيف نصنع إله”* تنبيه لتصويب خطأ طباعي (إلهًا بدل إله) ، و”محنة عقيدة”، و”دماء على جدار المعبد”، و”مذكرات فأر“، و”الهروب عبر البعد الرابع“.
عشرة عناوين لعشرة نصوص قصصية هي محتوى مجموعة الأديبة “عبير نعيم“، أخذت مساحة سبعين صفحة فقط، مقارنة مع مجموعات مُشابهة كانت ضعف ذلك، ولكن هنا التركيز القوي، ليس بحاجة للمُطوّلات، بل أفسح المجال للسباحة في عوالم الفكر والتحليل والتأويل حول فكرة الإله الواحد المُتفرّد بالألوهيّة، الخالق والصّانع والرازق، الجدير بالعبادة.