عضو لجنة البرنامج العلمي لأسبوع المياه العالمي تكشف: ألغاز دبلوماسية المياه (1من2)

بيان

وظائف وألقاب أكاديمية وتقنية تعكس مهام وتكليفات تتعلق بمجال “المياه”، تسبق أو تلحق اسم د. مارتينا كليمس، فهى مستشارة المياه والسلام في معهد ستوكهولم الدولي للمياه (SIWI)، والمركز الدولي للتعاون في مجال المياه (ICWC)، خبرة 15 عامًا في حل النزاعات والتحليل السياسي والأمني، وكذلك العمل الميداني والدبلوماسية غير الرسمية.

وتشتغل حاليا بدبلوماسية المياه والتعاون في مجال المياه والمناخ والأمن، وهي عضو لجنة البرنامج العلمي (SPC) لأسبوع المياه العالمي وباحثة في معهد سياسات الأمن والتنمية (ISDP) في ستوكهولم.

د. مارتينا كليمس
د. مارتينا كليمس

والدراسة التالية (1) التى وضعتها كليمس، تحاول ان تجيب عن سؤال رئيسى يتعلق بما اسمته: ” ألغاز دبلوماسية المياه” وتتفرع من شرح هذه الدبلوماسية إلى توضيح أدواتها، ومجال عملها، وآلياتها.

وتنطلق صاحبة الدراسة من طرحح سؤالها المفتاحى: لماذا دبلوماسية المياه؟.

وتجيب: يوجد في بعض الأحيان سوء فهم بشأن دبلوماسية المياه، حيث يتم اعتبارها الحل الشامل الكفيل بتسوية التوترات والنزاعات المتعلقة بالموارد المائية المشتركة.

فمفهوم دبلوماسية المياه لا يقدم مخططاً شاملاً للتوصل إلى اتفاقات بشأن المياه المشتركة، إذ تكمن سمته الأساسية في توفير أدوات متنوعة للحوار بين أصحاب المصلحة الذين يتقاسمون مورداً مائياً.

وفي أحسن الأحوال، تعمل دبلوماسية المياه على ربط المعلومات وتبادلها وتعزيز الشمول وتصميم مساحات للحلول، وذلك من خلال الربط بين مختلف منابر الحوار ومسارات المشاركة والأوساط العلمية.

برامج التعاون

وتضيف كليمس أن هناك برامج التعاون التقني، ومن ضمنها الدراسات التقنية المشتركة وبعثات تقصي الحقائق، إلى جانب شبكات المجتمع المدني والحوارات السياسية.

ويمكن للتعاون التقني أن يتضمن، على سبيل المثال، وضع نماذج مشتركة على نطاق الحوض بشأن كمية المياه التي ستكون متاحة وكمية المياه اللازمة خلال العقود القادمة، مع مراعاة النمو السكاني والصناعي في جميع بلدان الحوض والاحتياجات المستقبلية للاستثمار في البنى الأساسية.

دجلة والفرات

وقد حاولت البلدان التي تتقاسم نهري دجلة والفرات القيام بمثل هذه العملية من خلال البرنامج التعاوني لنهري دجلة والفرات (Food and Agriculture Organization, 2016).

ويرى بعض الخبراء أن ربط المسارات التقنية ومشاركات المجتمع المدني بالحوارات السياسية، الرسمية منها وغير الرسمية، يمكن أن يؤدي إلى التسييس والجمود، بينما يرى البعض الآخر أن تبادل المعلومات عبر المسارات المختلفة سيساعد على إتاحة مجال أكبر للحلول الممكنة، فالأحواض العابرة للحدود في المناطق الهشة والمتأثرة بالصراعات أو تلك المتنازع عليها جغرافيا ً- سياسياً والتي لا يوجد بشأنها اتفاق حول إدارة الموارد المائية المشتركةتحتاج في كثير من الأحيان إلى حلول خارج نطاق قطاع المياه.

إرادة سياسية

وتواصل: بشكل أكثر تحديداً، تحتاج المناطق التي تعاني من ندرة المياه، حيث يعتبر الأمن المائي مسألة أمن قومي، إلى إرادة سياسية لبناء آلية إقليمية للتعاون المستدام في مجال المياه.

وسوف تؤدي هذه الآلية إلى تمكين الحوار وتنفيذ الحلول التقنية المشتركة، فضلاً عن الاستثمارات الاقتصادية في البنى الأساسية للمياه.

وبالتالي، لا يزال السؤال مطروحاً، هل يمكن للمياه المشتركة والمخاطر المتعلقة بالمناخ أن تقترن أيضاً بفرص مشتركة للتعاون على نطاق الحوض؟ وهل يمكن أن يمثل التعاون والاستثمار في مجال القضايا البيئية إجراءات لا تبعث على الندم/ حلولاً تكون لصالح الجميع ويمكن أن تعود بالنفع على الحكومات عبر الحدود وتبني (على النحو الأمثل) الثقة والزخم في المسار السياسي؟ أم هل تعتبر الثقة السياسية شرطاً أساسياً لإيجاد مجال آمن للحوار حول التعاون التقني وفي نهاية المطاف للاستثمارات المشتركة؟.

مياه الشرق الأوسط

 وتقدم كليمس لمحة عن التعاون في مجال المياه العابرة للحدود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتقول:

تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 12 بلداً من أصل الـ 17 بلداً التي تعاني من نقص المياه في العالم (Hofste et al., 2019).

وتؤدي ندرة المياه إلى المزيد من العواقب على صعيد الأمن الغذائي وأمن العمالة والأمن البشري الأوسع نطاقاً، حيث تكون المجتمعات المحلية الضعيفة هي الأكثر تضرراً، إذ تعيق الصراعات السياسية والخصومات الجغرافية – السياسية في حوض نهري النيل والأردن فرص إجراء حوار تقني مثمر بشأن التوصل إلى حلول على نطاق الحوض لمعالجة تفاقم ندرة المياه.

فعلى سبيل المثال، عانت عملية التفاوض بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير (سد النهضة)، التي يقودها وزراء المياه بشكل رسمي، من العديد من القضايا والمظالم “المتطفلة” والتي تجاوزت النقاط التقنية البحتة المتعلقة بملء السد وإدارته. وينبغي أن يتم النظر إلى ذلك في سياق عدم وجود مساحة آمنة، وعدم وجود منبر للحوار، للأطراف الفاعلة غير المعنية بالمياه من إثيوبيا والسودان ومصر لإجراء مناقشات بشأن الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي والقدرة على مواجهة التهديدات المناخية.

طاع المزيد| رجب الشرنوبي يكتب: القاهرة.. مشاركات دولية واسعة في أسبوع المياه  

                   مدبولي: المياه لمصر حياة وحماية حقوق الإنسان 

ولا يمتد التعاون السياسي والأمني دائماً إلى القضايا المهمة الأخرى مثل قضية المياه.

آلية حوار

فعلى سبيل المثال، لا توجد آلية حوار قائمة تركز على التحديات المرتبطة بالمياه المشتركة والمناخ بين إيران والعراق في حوض نهري دجلة والفرات، على الرغم من التعاون السياسي والأمني المتقدم بين البلدين.

ولقد تم إحراز تقدم بين تركيا والعراق في نفس الحوض، وذلك في أعقاب مصادقة تركيا على مذكرة التفاهم المشتركة التي تعود إلى سنة 2014 بشأن بناء القدرات والتبادل العلمي في مارس 2021.

ويحدث ذلك في ظل انعدام الأمن المتزايد في مجال المياه في المنطقة والجفاف غير المسبوق في العراق وانخفاض تدفق المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة تصل إلى 50 في المائة (Abu-Hussein, 2021).

وتؤثر المظالم التاريخية والسياسية الكامنة على علاقات البلدان المشاطئة في الأحواض العابرة للحدود الواقعة في مناطق متنازع عليها جغرافياً – سياسياً.

ولذلك، فإن هذه الأحواض ستستفيد من وجود منابر إضافية للحوار تركز على مناقشة القضايا التي تعجز الحوارات التقنية بشأن المياه عن معالجتها.

فيمكن للحوارات بشأن المياه أن تقدم في الواقع نقاط دخول لمحادثات تذهب إلى ما هو أبعد من قضية المياه. وفي نفس الوقت، لا يمكن أن يتوقع من هذه الحوارات أن تعالج أيضاً المظالم التاريخية والسياسية بشكل تلقائي.

وثمة حاجة لاتصال فعّال عبر مختلف مسارات الحوار، لكن ينبغي بذل الجهود لمنع  خروج العمليات عن مسارها بفعل التسييس المفرط.

فعندما يتم تحليل عملية الحوار سيكون من المهم التأكد من أن تصميم العملية يضع الأشخاص المناسبين في مسارات الحوار المناسبة.

وهذا يشمل الأفراد الذين بإمكانهم اتخاذ القرارات وخلق الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق التعاون المستدام في مجال المياه، فضلاً عن الخبراء التقنيين الذين يمكنهم العمل من أجل التوصل إلى حل تقني قابل للتطبيق.

الحلقة القادمة: «بناء الإرادة السياسية مقابل التسييس»

………………………………………………………….

(1) الدراسة منشورة عبر موقع “حلول للسياسات البديلة، عبر الرابط التالى: https://aps.aucegypt.edu/ar/articles/747/the-puzzles-of-water-diplomacy

زر الذهاب إلى الأعلى