د. ناجح إبراهيم يكتب: ليلة القدر.. هي ليلة العمر

“ليلة القدر.. هي ليلة العمر”، هكذا وصفها د.ناجح إبراهيم، واتخذ من الوصف عنوانا لمقاله الذى نشره في جريدة الوطن اليوم الخميس وهذا هو نص المقال:
• كانت أعمار الأمم من قبلنا كبيرة حتى أن أعمار أمة سيدنا نوح بلغت أكثر من ألف عام.
• أما أعمار بني إسرائيل فقد تجاوزت الألف بكثير وهم أولاد وأحفاد سيدنا”يعقوب”وهو نبي الله “إسرائيل”عليه السلام.
• وقد وردت أحاديث كثيرة تتنبئ أن عباد بني إسرائيل الأوائل كانوا يعتكفون للعبادة مئات السنين,فلما سمع الصحابة عن أعمار الأمم التي سبقتهم وسمعوا حديثه الشريف “أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين”,وهذا الحديث رآه الصحابة واقعًا في حياتهم وخاصة في رسولهم الكريم,الذي لقي ربه وعمره 63 عاماً.
• وحينما أدرك الصحابة هذه الحقائق تحسروا على قصر أعمارهم وأعمار أمتهم لرغبتهم في الطاعات والقربات والمزيد منها، وخاصة أنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول “خيركم من طال عمره وحسن عمله”، فلما علم الله منهم أنهم تقالوا أعمارهم أو “كأنهم تقالوها”,أراد الله أن يعوضهم بليلة القدر،التي هي خير من ألف شهر,وأنزل الله سبحانه وتعالى قوله”لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ”،تعزية لهذه الأمة في أعمارها القصيرة وتعويضاً لهم عنها,وتكريمهم بهذه الليلة العظيمة,فهي ليلة ذات قدر لأمة صاحبة قدر تنزل فيها القرآن، وهو ذو قدر عظيم,وعلى رسول ذي قدر عظيم,وتتنزل فيها الملائكة العظام الأخيار وكلهم ذوو قدر وجاءت فضلاً من رب ذي قدر عظيم.
• أي أن الله أكرم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بليلة في كل عام لو قاموها إيماناً واحتساباً لكتبت لهم في الأجر والثواب بألف شهر.
• ليلة واحدة لا تجاوز ساعاتها ثماني ساعات في أيام الصيف مثل أيامنا هذه هي أفضل عند الله وعند الناس وفى ميزان الحسنات من 83 عامًا وزيادة.
• ترى لو قام مسلم كل ليالي القدر، التي مرت في حياته منذ بداية صومه، وهو في الخامسة عشرة من عمره حتى بلغ عمره 70 عاما” مثلاً فإنه قد يقوم 55 عاماً فيها 55 ليلة قدر،وهذه كلها قد تجاوز في الثواب والأجر والعمر الافتراضي خمسة آلاف عام.
• أي أن عمر المسلم العابد الزاهد،الذي يواظب على قيام ليلة القدر إيماناً واحتسابًا سيصل عمره إلى خمسة آلاف عام كاملة,إنه الفضل العظيم من رب عظيم.
• إنها ليلة العمر؟؟ إنها أعظم ليلة في العام كله,أما يوم عرفة أفضل يوم فى العام, إنها أيام الله التي تتنزل فيها خيراته وبركاته وعفوه وحلمه وكرمه ومغفرته ورحمته ورزقه.. إنها الليلة التي تزف فيها الملائكة عباد الله القائمين الزاهدين الخاشعين.. وتحفهم وتحتفي بهم وتطوف حولهم وتحييهم وترحب بهم وتستغفر لهم.. ولا تنزل الملائكة وحدها، بل ينزل معهم قائدهم العظيم جبريل عليه السلام يشرف الدنيا كلها، كما شرفها من قبل، مراراً بالوحي والرسالة على الأنبياء جميعًا.. فهل بعد هذا الشرف من شرف؟! “تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ.. سَلَامٌ هِى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”.
• إنها ليلة الفضل,وليلة العفو,ولذا كان أعظم دعاء في هذه الليلة هو”اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا”..
• أما من أضاع هذه الليلة في رؤية مسلسل أو فيلم أو جلوس على مقهى أو سمر مع ضيوف أو عمل مباح فقد أضاع شرف عمره وفضل زمانه وجهل بأيام الله التي تمر وتسرق من عمره.
• أما من أضاعها في معصية أو ظلم فقد أضاع دينه ونفسه وسيعاقبه الله عقوبة مضاعفة لأنه يعصى الله في أعظم ليلة من عمره,ويبتعد عن الله في اليوم الذي يقترب فيه الجميع من الله,ويهجر ربه ومولاه في اليوم، الذي يناجى العباد مولاهم باكين ضارعين خاشعين.
• من فعل ذلك في مثل هذه الليلة فقد أضاع من عمره 83 سنة.
• إنها الليلة التي تحتاجها مصر كلها وهي تواجه هذا الوباء العنيف”كورونا”الذي اقتحم كل البيوت ونشر اليتم والترمل في كل مكان ومعه الرعب مع الألم فضلاً عن النفقات والعزلة.
• مصر كلها تحتاج للتبتل والإنابة والدعاء والتضرع في هذه الليلة عسي الله أن يغيث ملهوفها ويمسح أحزانها ويسعد أهلها ويعينهم ويوسع عليهم بالحلال ويصرف عنهم السوء.
• إنها الليلة، التي يحتاجها المريض الذي أعيته الحيل ليشفى من مرضه المزمن,وما أدراكم ما الأمراض المزمنة في مصر,وما حال مرضاها وخاصة الفقراء منهم.
• إنها الليلة التي يحتاجها الأب،الذي يخشى على أولاده من كل مزالق الدنيا وهمزات شياطين الإنس والجن
• إنها الليلة التي تحتاجها البيوت الممزقة والأولاد المشردين بين الأب والأم المنفصلين.
• والليلة يحتاجها آلاف الشباب الذين لا يجدون وظيفة ولا زوجة ولا كسب يغنيهم بالحلال.
• إنها الليلة التي تحتاجها كل فتاة لم يطرق بابها حتى اليوم الأزواج الصالحين الأكفاء.
• إنها الليلة التي ستمسح دموع الأيتام والأرامل والثكالى,وما أكثرهم في مصر.
• إنها الليلة التي يحتاجها كل العصاة والظلمة والمفسدين والمرتشين والزناة والذين يفجرون أو يكفرون أو يظلمون أو يتيهون بقوتهم وسلطانهم ليتوبوا إلى الله
• إنها ليلة العمر التي نحتاجها جميعًا لنتوب إلى الله فيتوب الله علينا.
• كلنا في حاجة لهذه الليلة,وننتظرها دائماً لنلقى بهمومنا عند الحبيب الأعظم سبحانه
• إنها ليلة العمر والحلم الجميل،الذي سيحقق كل الأحلام المشروعة لنا ولجيلنا ولأولادنا وأحفادنا وأوطاننا,فلا تضيعوها، يرحمكم الله.