د. ناجح إبراهيم يكتب: الحب مذهبي والرسل قدوتي
هذا مقال عن الحب.. لكنه ححب من نوع أخر.. يقول الدكتور ناجح إبراهيم فى هذا المقال إن الله لا يتعامل مع عباده بالآلة الحاسبة ولا بالحسابات الضيقة، ولكن برحمته الواسعة.. ما القصة ؟ طالع هذا المقال المنشور فى جريدة الوطن، وفى التالى نص المقال:
احترفت البِغاء، كلما أرادت التوبة لم تستكمل طريقها وخارت عزيمتها، وجدت نفسها يوماً فى منطقة مهجورة أمام كلب يلهث عطشاً فى حر قائظ، قالت لنفسها: «لقد أدركه الذى أدركنى»، بحثت عن الماء فوجدت بئراً ولكنها لم تجد شيئاً تسقيه بها سوى حذائها فلم تتردد فى خلعه، وغامرت بنفسها ونزلت البئر وسقت به الكلب، الذى هز ذيله عرفاناً وامتناناً.
نظر الله العليم الحكيم الرحيم إلى صنيع هذه المرأة المحبة لخلقه، الرحمة حركتها من أجل حيوان لن يرد جميلها، ولن يحكى للناس صنيعها وإخلاصها ففعلت ذلك فى مكان لا يراها فيه غير الله المطلع على السر وأخفى.
طالع المزيد| د. ناجح إبراهيم يكتب: دموع النبي الكريم
د. ناجح إبراهيم يكتب: أبطال لا تنسى
الحب لخلق الله جميعاً حتى للحيوانات منها كان باعثاً على ما فعلت فأضاء قلبها وبدد ظلمات المعصية والبغاء التى رانت على قلبها، لولا أن هذه المرأة فى قلبها فيض من الحب يكفى الجميع ما نالت شرف أن يقول عنها الرسول الكريم «فشكر الله لها وغفر لها»، لم يشكرها أحد فشكرها الله من فوق سبع سماوات، لم يذكر فضلها أحد، فذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته والعالمين.
غفران الله ليس مسألة حسابية كما يتصور البعض، فعلت مائة طاعة فحصلت على مائة حسنة، الله لا يتعامل مع عباده بالآلة الحاسبة ولا بالحسابات الضيقة، ولكن برحمته الواسعة «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ».
امرأة أخرى قلبها فظ غليظ لا يعرف الرحمة، ظاهرها العبادة وباطنها الكراهية، حبست هرة لم تطعمها أو تتركها تأكل من خشاش الأرض، لم تطعمها فى سجنها فدخلت النار، اطلع الله على سواد قلبها فلم تنفعها صلاة ولا صيام، هذه آذت قطة وحرمتها فى سجنها من الطعام والشراب، فما بال الذين يقتلون ويفجرون أو يعذبون أو يسجنون الأبرياء أو يحرمونهم من أبسط حقوق الحيوانات، قال أحد أصدقائى المعتقلين يوماً: «لو كنت بهيمة لعوملت أفضل من ذلك»، وكان تاجر بهائم، وكان يقول إننى أترك بهائمى تستحم وتتريض لعدة ساعات مرتين يومياً. الأولى امتلأ قلبها بالحب فسقت الكلب، والثانية امتلأ قلبها بالكراهية فسجنت هرة، وهذه ثالثة كانت تصلى وتصوم ولكنها كانت تؤذى جيرانها بكل ألوان الأذى تارة بالشتم والسب والتعريض والفحش، وتارة بالأذى المادى، فلما سُئل عنها رسول الحب والرحمة قال: «هى فى النار» لو كانت تحبهم ما آذتهم، ولكن جذوة الكراهية اشتعلت فى قلبها للناس جميعاً فكرهت خيرهم، وأحبت عنتهم، ولم تتركهم فى حالهم بل سعت إلى أذاهم والتنكيل بهم.
والحب هو الذى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى رجل بسيط أنه من أهل الجنة، فلم يجد له الصحابة عبادة أو صياماً أو صلاة تفوق الآخرين، فلما سألوه عن سره قال: «ليس لى كثير صلاة ولا صيام غير أنى أبيت دون أن أحمل غلاً أو ضغينة لأحد».
وتتلخص رسالة المسيح -عليه السلام- فى كلمتين «الله.. محبة»، أما رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- فتتلخص فى قوله: «لن تؤمنوا حتى تحابوا». وكان الفريق عبد رب النبى حافظ قائد الفرقة 16 التى كان لها دور عظيم فى نصر أكتوبر يقود رجاله بهذه القاعدة: «بالقانون يمكن أن يؤدى رجالك الواجب أما بالحب فسيحققون المستحيل»، وبهذه القواعد استطاع صد وهزيمة قوات «شارون» التى كانت تصل لثلاثة أضعاف قواته عدة وعدداً وتفوقاً تكنولوجياً، وكتب أصغر رسالة قتال لقائد الجيش الثانى الميدانى: «قوات العدو ثلاثة أضعافنا وسنصمد حتى الموت»، وفعلاً هزم قوات شارون وكبدهم خسائر فادحة.
أما العبقرى الجاحظ فكان يقول: «ينبغى لمحب الكمال أن يعود نفسه محبة الناس والتودد إليهم والرأفة والرحمة لهم فإن الناس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانية».
إنك إن استقبلت الدنيا بالحب شاهدت السعادة تطل عليك من كل مكان، والسرور تزيد مساحته وتتسع طردياً مع مقدار الحب فى نفسك بل ورأيت الهموم والأحزان تقل تدريجياً مع اتساع مساحة الحب فى وجدانك، وترى تفريجاً عجيباً لهمومك من داخل نفسك قبل أن تنفرج فى الحقيقة، ورأيت نفسك تحب الخالق والمخلوق على السواء، بل وسائر المخلوقات حتى الجماد منها.
وقد أعجبنى أحد أصدقائى من خطباء «الأوقاف» الذى كتب عنواناً لصفحته على الواتس: «الرسول قدوتى والحب مذهبى»، أما أنا فأقترح أن يكون عنوان حياتى القادمة «الرسل قدوتى والحب مذهبى»، سلام على المحبين فى كل مكان، وغفرانك ربنا للكارهين.