طارق متولى يكتب: فن المبالاة
عندما كنت اصطحب بعض السائحين الأجانب فى أول زيارة لهم لمصر وفى الطريق من المطار إلى أحدى الفنادق فى وسط البلد، وبمجرد انطلاق الأتوبيس الذى يقلنا، وفى شارع صلاح سالم الشهير ورؤيتهم لسير المرور لم يتوقف السائحون الأجانب عن القفز من مقاعدهم ،والتعجب وإطلاق عبارات مثل يا الهى ما هذا ؟! ماذا يفعل هذا السائق ؟! فى إشارة إلى أحد سائقى السيارات بجوارنا وهو يتخطى السيارات ويذهب يمينا ويسارا بالسيارة فى حركات بهلوانية، غير عابىء بالحارة المخصصة له، ثم يسألونى ما فائدة هذه الخطوط البيضاء المرسومة على الطريق والتى تقسم الشارع إلى ثلاث أو أربعة حارات ؟! فلا استطيع أن أجيب ثم يأتى السؤال الأكثر سخرية وهو: أليس لديكم إشارات مرورية ؟! فأجيب: بالطبع لدينا ولكن بعض الناس لا يلتزمون بها ويتم تحرير مخالفات ضدهم.
ثم نفاجىء بشخص يعبر الطريق مترجلا بين السيارات المسرعة وكأنه يقدم على الإنتحار فيتعجب الضيوف أكثر وأكثر .
كنت فى الحقيقة أشعر بالإحراج وقد لفت نظرى أننا فعلا غير منظمين ولدينا إستهتار ،ولا مبالاة واضح فى حياتنا، الكل ينفض يده ،ويشترى دماغه كما يقول العامة.
نشاهد ذلك جميعاً كل يوم فى حياتنا اليومية ،فى المواصلات العامة والطرق والأماكن العامة ‘ حتى مع وجود وباء كورونا نجد ناس مستهترين يتزاحمون فى الأسواق بدون اى تباعد وبدون اى إجراءات وقائية.
نستطيع أن نعدد مظاهر الإهمال والإستهتار واللامبالاة فى حياتنا اليومية بدءاً من عبور الشارع وانتظار السيارات فى الممنوع، وعدم الإلتزام بمواعيد العمل، واحترام حق الأخر، وصولا إلى كل نشاط يمارسه المجتمع فى كل مكان، فوضى لا نهاية لها لا يتسع المقام لسرد تفاصيلها مع ما تسببه من إهدار للأنفس والأموال والأعمال، لكننا نشاهدها يوميا ونرتكبها جميعا والمفارقة أننا نشتكى منها جميعاً ونتضرر منها جميعاً.
أصبح لدى الناس لا مبالاة عجيبة بكل شىء.. لاشىء يهم ! هذا أصبح شعار كثير من الناس بل إن البعض راح يروج لفكرة اللامبالاة، وفن اللامبالاة على أنه شىء أيجابى وهو فى الحقيقة تخلى عن المسؤولية مسؤولية كل فرد فى المجتمع فى كل عمل يقوم به ، والتى بدونها سينشأ جيلا لا يكترث لشىء، لا لقواعد ولا لأخلاق ولا لأصول.. لا شىء فقط فوضى يفعل فيها كل شخص ما يحلو له غير مكترث بالآخرين وما يسببه لهم من إزعاج أو ضرر.
لا يجب أن نكرس لفكرة اللامبالاة على أنها راحة وسلام نفسى فهذا أن تحقق فى المدى القريب فسوف تكون نتائجه كارثية فى المدى البعيد والمستقبل القريب.