“نابليون بونابرت”.. حياته وصداقة التاريخ الأبدية معه
كتبت: أسماء خليل
يحتفل العالم بالذكرى المئوية الثانية لوفاة الإمبراطور نابليون بونابرت، وهو شأن ليس فرنسيا فقط، حتى ولو قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فى الكلمة التى ألقاها فى هذ المناسبة إن “نابليون بونابرت هو جزء منا”.
يهمك.. عن واقع العرب المشوه| “الموريتاني” قصة الإرهاب المجهول
ماكرون وصف مواطنه بـ”الباني والمشرّع، والمدافع عن السيادة الوطنية” لكنه شجب في ذات الوقت الأخطاء التي ارتكبها مثل إعادة فرض نظام العبودية والأرواح الكثيرة التي أزهقها خلال حروبه.
بونابرت الذى يرقد الآن فى قبره بصرح “ليزانفاليد” بباريس، ربما لم يبق منه إلا حفنة من تراب، لكنه قبل نيف وقرنين من الزمان كان هذه الأسطورة التى أحدثت هتغييرا هائلا فى تاريخ العالم.. وكانت انطلاقته الأولى من هنا.. من مصر.. لكن هل هناك جديد يستحق أن نرويه عن الرجل ؟!.. نعم هناك جديد.
ماذا فعل؟!
ماذا كنت تفعل وأنتَ فى التاسع والعشرين أو فى الخامسة والثلاثين من عمرك؟!.. حتمًا لم تكن امبراطورًا مهيمنًا على الشؤون الأوروبية بسلسلة من الانتصارات العسكرية أو بطلا قوميا.. إنه نابليون بونابرت، أعظم إمبراطور قائد أمجاد سياسية وعسكرية لمن ينتمون إليه.. مجرم حرب لمن وقعت عليهم وطأة الاحتلال، ولا أحد يعلم ماذا بينه وبين التاريخ من علاقة وطيدة كي يظل ذاكرًا له وبشكل دائم أكثر من قرنين من الزمان.. إنه المحب العاشق الشاعر المتيم وفي نفس الوقت متحجر القلب الذي أعاد الرق للنساء.. إنه نبراس روح المساواة والتسامح الديني وفي نفس الوقت مصدر إلهام الديكتاتوريين، لكن لا أحد ينسى أنه مَن سلط الضوء على مصر التي لم تكن تعرف نفسها، أو يعرفها التاريخ، فقد رآها بصورة مختلفة في الوقت الذي كانوا يعتقد أهلها أن أهراماتهم أوثان.
ويأتي هنا التباين بالرغم من أن المجتمعات الإستقراطية النبيلة النسب تقدم للمجتمع أبناءًا مرهفين الحس محبين للفنون لاعلاقة لهم بالحروب وفنون القتال؛ إلا أن نابليون كان أكبر شاهدا بألا ديمومة في الرواسخ الفكرية لكل قاعدة.
مفارقات..
نجد أن حياة نابليون ما هي إلا سلسلة من المفارقات حيث تمثل خطين غير متصلين يحملهما سياق واحد وهو اسمه.
“بين الوحشة والتدين الفكري.. “
فذلك الرجل الصغير الذي أحدث فوضى كبيرة من حيث القتل والدمار، قال عن نفسه بأنه كان يحب الحرب كفنان، فهو في ساحة القتال ويكأنه يرسم لوحة فنية الغالب عليها اللون الأحمر لون الدم، فإنه عندما يكون في ساحة المعركة يشعر وكأنه في بيته، لأنه كان بإمكانه إظهار مهاراته العسكرية غير العادية،كان طموحه يفل الحديد وخاصة في روسيا حيث أظهر أنه كان يخوض الحرب قبل كل شيء من أجل المجد..
مليون قتيلا من الجنود الفرنسيين ومئات آلاف الجرحى بالحروب والمعارك التي خاضها نابليون وتلك بالفعل تقديرات مهولة غير مسبوقة..إنها الأكثر دموية.
دخلوا الأزهر
أرسل “نابليون” جنوده إلى الأزهر، فدخلوا الجامع بخيولهم عنوة وربطوها بصحنه وكسروا القناديل وحطموا خزائن الكتب ونهبوا ما وجدوه من متاع، ولم يخرجوا منه إلا بعد أن ركب الشيخ محمد الجوهرى إلى نابليون وطلب منه متوسلًا أن يخرج جنوده من الجامع الأزهر فقبل.
وفي نفس الوقت، اهتم بالدين الإسلامي فكُتُبه التي عُثر عليها وهو شاب صغير مازال لم يعرف القتال تؤكد على اهتمامه بقراءة تاريخ العرب وسيرة حياة النبي محمد-صلى الله عليه وسلم – وأيضا وُجد لديه ملخص لتاريخ العرب كتبه الأب مارديني، كما كتب “نابليون” بنفسه قصة بعنوان “قناع الرسول”.
وذكر بعض المؤرخين تلك الكلمات على لسان نابليون أن “محمدا يثير إعجابه كمؤسس ديني وقائد لشعوب ومشرّع” وأيضًا نُراه قد قرأ القرآن وكان يحتفظ بنسخة منه حتى أُثيرت بعض الإشاعات عن إسلامه سرا،لقد استحوذ الإسلام على خياله من قبل أيام الحملة على مصر، وازداد أثناءها وبعدها.
فكيف بالرجل الذي أعجب بِنَبِي الإسلام من قبل أن تطأ قدمه أرض مصر وكان يرسخ فكرة ألمُدافع الذي لم يأت لهدم دين الإسلام واضطهاد المسلمين أن ؛يقود كل تلك الهجمات الوحشية على مدى عمره؟!!
حبه لزينب
“نابليون” بين الحب وإهدار حقوق المرأة..
إنه المحب العاشق لأكثر من امرأة، فيذكر التاريخ أنه أحب “زينب البكيرية” وهي فتاة مصرية غاية في الجمال، فكان يسهر مع أبيها كل ليلة من أجل التودد والتقرب إليه.
كما تزوج نابليون من” جوزفين” عن حب لكنها كسرت قلبه، فلم تكن تحبه بنفس الدرجة التي عشقها بها، إنها فضلت البقاء في باريس عندما قام بحملاته ، وطلقها بحثا عن وريث،هذا الامبراطور الذي لا يعرف سوى أشلاء الجثث لن ينسى طليقته ويزداد حبها في قلبه ، ولا عجب حينما تُراه يقول إنه لم يحب جوزفين يوما كحبه لها يوم طلاقها ولكنه أرغم على هذا الطلاق وهو واثق أن أي امرأة لن تنسيه حبها وذكراها.
ثم أحب نابليون بعد ذلك المغنية الإيطالية الفاتنة “جراسينى”، وبعدها “جورجينا”. تلك الممثلة الصغيرة في الخامسة عشرة من عمرها حين رآها نابليون ذات مرة فأرسل إليها أحد أتباعه وراءها فجاء بها وارتمى بين ذراعيها.
الرومانسى
وكم كان مغرما! حيث أن المطِّلع على سيرته الذاتية لا يكاد يصدق أن نابليون من قال هذا الكلام حينما كتب لزوجته “جوزفين” قائلا: “لم أمضِ يوما واحدا دون أن أحبكِ. .. ولا ليلة واحدة دون أن أعانق طيفكِ، وما شربت كوبا من الشاى دون أن ألعن العظمة والطموح اللذين اضطراني إلى أن أكون بعيدا عنك وعن روحك الوثّابة، التى أذاقتنى عذوبة الحياة، إن اليوم الذى تقولين فيه إن حبك لي قد نقص، هو اليوم الذى يكون خاتمة حياتى”.
وعلى النقيض تماما نجد أن نابليون تعهَّد بعدم إعادة تطبيق العبودية في غودلوب وسان دومينغ. لكنه وافق على عودة بلاده لتجارة العبيد بهدف نقل مزيد من الأفارقة نحو مستعمراته، ضاربًا بذلك عرض الحائط، لقد أعاد الرق والعبودية تحت أي مسمى ولأي أسباب..
وهو مَن أصدر القانون المدني.. القانون الذي كرس للهيمنة الذكورية والنموذج الأبوي وأكد عدم الأهلية القانونية للمرأة المتزوجة.
وأيضًا كانت سنوات الحملة الفرنسية هي أسوأ حقبة للمرأة المصرية، حيث كان الجنود الفرنسيين يغتصبون البنات، ما اضطر الأمهات إلى تقبيح بناتهن حتى لو بروث الحيوانات حتى يبتعد عنهم هؤلاء الأوغاد.
“نابليون” بين ما قدمه لمصر وما سلبه منها..
رغم كل ما سلبه نابليون من حقوق الشعب المصري في حرية التعبير عن آرائه وحكم نفسه بنفسه والموبقات والمذابح التي قام بها لرغبته في تحقيق مجد شخصي ومجد لبلاده وتحقيق مصالح فرنسا بقطع الطريق على انجلترا ومستعمراتها بالهند، بالإضافة إلى سياسة الضرائب القاسية التى تم فرضها على المصريين والتجاوزات العديدة في حق الشعب المصري وانتهاك حرماته من قبل الجنود الذين عاثوا في البلاد فسادًا؛
إلا أن هناك ما قدمه نابليون لمصر، إذ أن الفرنسيين قد تمكنوا بالفعل من تطوير البنية التحتية في مصر ببناء الكباري والقناطر والترع وقد تركت الحملة الفرنسية على مصر سفرا ضخما هو “وصف مصر” مس مصر من جهاتها الأربع، وقدم صورة علمية عن كافة الجوانب، وضعها علماء الحملة فى كافة التخصصات والعوم هذا غير إدخال الطباعة الحديثة فى مصر، من خلال المطابع التى جلبتها الحملة معها.