سماح عطية تكتب: قطعة اللحم الباكية
كنا بالأمس البعيد لا نسمع ونرى سوى طفل حديث الولادة أمام مسجد… يبكي في عز برد الشتاء القارص ويعلو صيحاته وبكاؤه مع أصوات أذان الفجر وما يلبث أن يعلن عن وجوده بالصيحات… حتى يراه رجل تقيّ كان في طريقه للمسجد… أو شيخ يؤم المصلين… وتلعب الأقدار دورها في الدراما الحياتية فيتطوع أحد لتربية “قطعة اللحم الصغيرة الباكية” بين أولاده.
وتكبر قطعة اللحم وتنمو فتصبح ولداً صالحاً لأنه تربى في أسرة لأب وأم وأخوة… تنشئة يملؤها الحب والحنان والدفء الاجتماعي.. كبر وترعرع متزن الشخصية إلي حد كبير… لايعاني من عقد نفسية أو كراهية للمجتمع.. لذلك لن يكون صيداً ثميناً للجماعات التي تخرب عقول الشباب سواء بالمخدرات أو الدين.
طالع المزيد| سماح عطية تكتب: المواصفات القياسية للتشرد
ترخيص الـ «الاسكوتر والفسبا» للأطفال فى قانون المرور الجديد
الإرهاب النسوي من «الأخوات المسلمات» إلى «نساء داعش».. المرأة تقود جبهات القتال
أما اليوم فمع شروق شمس صباح أكثر الأيام.. نجد المارة يتجمعون حول “قطعة لحم” تبكي وتتنفس داخل صندوق قمامة.. بل الأبشع من ذلك قد نجد الكلاب الضالة تتجمع حول “بقايا قطعة اللحم” الصامتة الهامدة… بعد نهشها أو نجد جبالاً من النمل والحشرات حول “قطعة لحم” تصرخ صراخاً “استنجادياً” لعل أحداً ينقذها من آلامها في أولى مقابلتها للدنيا.
وما يلبث أن ينقذها المارة إلا وتبدأ رحلة عذاب أخرى… من قسم الشرطة إلي دور الرعاية التي يعاني الأطفال في معظمها أشد أنواع المعاناة.. والتي عادة ما تقوم بقذف الطفل خارج أسوارها غلي الشارع عندما يصل به العمر إلى ١٨ عاماً طبقاً لقوانين دور الرعاية.
وكأن القدر حكم على هؤلاء الأطفال بالعذاب البدني والنفسي طيلة عمرهم.. فقد بدأت أولى ساعات عمرهم في الشارع وبدأت أولى ساعات شبابهم في الشارع.. ليصبحوا ثروة بشرية شبابية مهدرة، تتلقفها أيادٍ سوداء لتكوّن بها ثروات بشرية إجرامية وأجيالاً تخلف أجيالاً ويتوارثون نفس الإرث.
هل من حل لهذه القضية؟!.
هل من طريقة لإنقاذ هذه الثروة البشرية؟!.
هل من قانون؟!.
هل من أسر بديلة مثل ذلك الرجل التقي الذي كان يظهر في مشاهد الحياة قديماً فينقذ “قطع اللحم الباكية” قبل تشكيلها بطريقة خاطئة.. وقبل سحقها على أسفلت الحياة.. وقبل أن تقتنصها طيور الظلام ؟!