مبدع وكاتب.. وحرامى.. حكايات «النصابين» فى سوق النشر
تقرير: أسماء خليل
فى مقابل كل ناشر محترم، أمين، يتخذ من مهنة النشر رسالة، وليس مجرد مهنة للتكسب، هناك من يدعى أنه ناشر ويتاجر بأحلام المبدعين، والمؤلفين، والكتاّب، ويستحل لنفسه سرقة جهدهم وعرقهم وسهرهم الليالى لإنتاج مؤلفهم، ولا يدرك أنه ليس فقط يقتل أحلام إنسان، أو يؤدها فى مهدها، ولكنه أيضا يدفعه إلى الفشل، والتوقف عن إبداعه فيهدر ثروة حقيقيه تمتلكها مصر، بل تمتلكها الإنسانية حين يبقى هذا الإبداع تراثا ملكا لها.
إنهم الواجهة الحقيقية لكل المجتمعات فى العالم، وينبغي أن يتم معاملتهم بأرقى أسلوب؛ نظرًا لما يملكون من ذكاء وحساسية مفرطة وإبداع، ولكن بعد التحقق – بالآونة الأخيرة – وجدتُ على أرض الواقع عمليات النصب تتم على هؤلاء الكتاب مما يصيبهم بخيبات أمل كبيرة، ويؤثر على حالتهم المعنوية، وبالتالى إبداعهم.
تلك حكايات لكُتاب حقيقيين من خلال رحلة نشرهم لأول كتاب في حياتهم وكم عانوا، وكم كانت عمليات النصب التي تتم عليهم سواءًا عمليات نصب مادية ام متعلقة بسوء الترويج لما يمتلكونه من أفكار.
طالع المزيد| فتح باب الاشتراك للناشرين فى الدورة 53 إلكترونيا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب
أسماء خليل تكتب/ نسيان حقيبة ظهرها يعني الموت
أسماء خليل تكتب: تحرر المرأة.. إلى أين ؟!
أسماء خليل تكتب: زواج من نوع آخر
وبناءًا على رغبتهم لن ننشر أسمائهم بالكامل وكذلك اسم دور النشر؛ لأن هناك من تقاضى حقوقه من الدار بعدما أنصفته المحاكم، فيقتضي ذلك عدم ذكر تلك الأسماء.
الحكاية الأولى
تروي الكاتبة “ع. ل” حكايتها وقد امتزج صوتها بكثير من الألم لما آلت إليه الأوضاع، فقد كانت تعتقد أن الكتاب لديهم مكانه عظيمه بالمجتمع وأنها ستجد هذا على أرض الواقع، ولكنها لاحظت غير ذلك تماما من خلال كتابها الأول، فقد عانت كثيرا لكي تجد دار نشر تنشر كتابها الأول، ولكن للأسف تم تقييدها ببعض الشروط وهي دفع مصاريف النشر بالكامل، وذلك للحالة الاقتصادية المتردية في مجال تسويق الكتاب، وكذلك لم تحقق الكتب الورقية مبيعات كثيرة مثل سابق عهدها، فاضطرت لأن توافق على شروط الدار، ودفعت“ خمسه آلاف جنيه”.
كم كانت سعادتها البالغة وقد خرج الكتاب للنور ولكنه صدر بعد سته أشهر من توقيع العقد!!.. وهذا مخالف؛ لأن مدير الدار اتفق معها على شهر واحد فقط، وهي المدة التي يتم فيها طباعة الكتاب ونشره عبر المكتبات وفي دور النشر ومعارض الكتاب المنتشرة في أنحاء الجمهورية، وكانت هذه اول صدمتهاز
وكم كانت سعيدة برغم انتظارها لمدة تلك الأشهر.. كانت قد رأت الكتاب فقط حينما أرسلوا لها صورته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن كانت صدمتها الثانية؛ إذ وجدت أن عدد صفحات الكتاب قليلة جدا بعد تصغير حجم بنط المتن (المادة) إلى درجة لا تكاد تقرأ بالعين المجردة، وذلك لتوفير ثمن الورق.
وتوالت صدماتها، فقد كانت الصدمة الثالثة حينما لم يتم الترويج للكتاب في أي مكان مثل وسائل السوشيال ميديا.
ذهبت إلى معرض الكتاب في شوق بالغ لرؤية وليدها الأول، فكانت صدمة أخرى؛ لتجد أن الكتاب مطبوع منه فقط 5 نسخ!!.. وبعد ثلاثة اشهر سألتهم هل تبيعون من الكتاب؟!.. قالوا نعم، وكانت هناك نسبة بالعقد لأرباحها وهي 20 ٪، ومرت الشهور ولكنها لم تجد أي عائد أدبي أو مادي، وكم كانت خبرتها قليلة في ذلك المجال فنادت دون جدوى!!..
التجأت للقضاء لتأخذ حقها، وعلم مدير الدار، فأكدت له أنها بالفعل ستشكوهم وستأخذ حقوقها المادية والأدبية عن طريق المحكمة، فارتبك ذلك الرجل كثيرا وقال لها: سأدفع لكِ كل ما أعطيتنه للدار وسأفسخ معك العقد وأرجوكِ لا تتقدمي باي بلاغ أو أي شكوى حفاظا على سمعة الدار، وبالفعل تراجعت وأخذت الخمسة آلاف جنيهًا التي كانت قد دفعتهم في البداية ولكنها حزنت كثيرا من سوء الأوضاع، وكم كانت تتمنى أن يتم تقدير كتابها ووليدها الأول ويتم نشره بشكل يرضيها.
الحكاية الثانية
هي حكاية “ر. س” كاتبة في مقتبل العمر وكانت تتوقع أن عملها الأول سيلقي صدًى واسعا في المجتمعات الأدبية؛ فقد كانت موهوبة جدًا بشهاده الكثير من أساتذتها بالجامعة، ولكنها عانت لكي تجد دار نشر تستطيع نشر وليدها الأول.
وفي الأخير وافقت دار نشر على طباعة كتابها، وسط فرحة عارمة من أهلها، وبالطبع كما حدث مع كاتبتنا الأولى حدث مع الثانية، فقد طلبت الدار خمسة آلاف جنيها؛ نظرا لارتفاع أسعار النشر والطباعة وكذلك التسويق وتأجير أرض المعارض وهكذا.
وافقت الكاتبة لتحقيق حلمها، وكم كانت سعيدة جدًا وكانت تتابع دار النشر في كل المعارض التي تذهب إليها، وتجد أن كتابها يتم بيعه، فكانت سعيدة جدا، وقامت بالتحدث مع مدير الدار وقالت له إن كتابي يتم بيعه بشكل ممتاز والعقد منصوص به أن لها ٢٠٪ من الربح، فقال لها بالطبع سيدتي ولكن لابد أن ننتظر السنة الأولى؛ لكي نحقق الأرباح.
وتوالت السنوات وانتظرت حتى مرور ثلاث سنوات كاملة وهي مدة احتكار الكتاب من قِبل دار النشر، وما شغلها أنها تعمل في مكان آخر، وكذلك ذكر الدار لها ظروف استشراء فيروس كورونا الذي أصاب الحالة الاقتصادية بالركود، وحينما واجهته بعد السنوات الثلاث، وبعد طول انتظارها، قال لها سأخبر محاسب الدار كي يحضر لكِ كشف حساب لتعلمي كم تم بيعه من كتابك وتعلمين أرباحك.
كانت صدمتها الحقيقية، فقد كان منصوصًا بالعقد على بيع 500 نسخة، وجدت كشف الحساب كالتالي:
١٠ نسخ هدايا للمؤلف.
٢٠نسخة للصحافة (ولو كان بالفعل تم إعطاء عشرون نسخة للصحافة، لكانت صديقتنا الكاتبة اشتهرت).
١٠نسخ للتلفزيون.
٢٠ نسخة لهيئة الكتاب المصرية.
٣٨ نسخة مباعة فى المعارض خلال الثلاث سنوات (رغم أن الكاتبة كانت ترى بعينها ما يتم بيعه بطريقة البيع “أون لاين” ويخبرها الكثيرون بحقيقة المبيعات).
٢٠ نسخة (تم إيداعها في مسابقات كثيرة، كساويرس ووزارة الثقافة والدولة التشجيعية، ونسختين للمصحح رغم أن الكاتبة هي من قامت بمراجعة التصحيح مع أحد المدققين اللغويين).
و100 نسخة لمخازن الدار (ولا يحق للكاتب أن يأخذ منها سوى 30نسخة فقط !!) ..
لقد أهدروا لها النسخ، وبعد ضياع ٥٠٠ نسخة، إذا أرادت النشر مرة أخرى ستقوم بدفع الطباعة من جديد!!.
أخذت الكاتبة تلك الوثيقة إلى نيابة الأموال العامة للتحقيق في ذلك النصب الجهري، وبالطبع أدى ذلك الموقف إلى سوء حالتها النفسية، فكم يتمتع الأدباء بحس مرهف!.
الحكاية الثالثة
وتتوالى المعاناة في البحث المضنى عن إيجاد دار نشر توافق على نشر كتابها الأول مجانا، فلم تكن تلك الكاتبة الموهوبة لديها إمكانيات مادية لنشر كتابها على نفقتها الخاصة، وبالفعل وجدت دار نشر وافقت على طبع كتابها ولكن بمقابل آلاف الجنيهات.
فوجئت الكاتبة أن المدير التنفيذي لتلك الدار هي صديقة قديمة لها منذ الدراسة، وكم سعِدَتْ كثيرا لهذا، وبالفعل خفضت لها صديقتها ألف جنيهًا، ودفعت هي الباقي.
ولثقتها البالغة في تلك الصديقة التي كانت في غاية الأمانة طوال عمرها معها، اتفقتا على التلاقي يوما لإمضاء العقد، ولكن نظرا لتعطل الكاتبة لظروف مرضية لم تذهب في الميعاد، فقالت الكاتبة لصديقتها – مديرة التنفيذ – لا بأس نحن أصدقاء سأرسل لك المبلغ عن طريق البريد وأرسلي لي العقد عن طريق الواتساب للإمضاء.
تم إصدار الكتاب وكان الاتفاق على ٤٠٠ نسخه يتم إصدارها على طبعتين، وبالفعل بدأ الترويج للكتاب وظهر في دور العرض، وكانت صديقتنا تلاحظ المبيعات العالية جدًا؛ وخاصة أن الكتاب ذات جودة عالية من حيث المحتوى والامتاع والدقة اللغوية، فكان المتوقع لذلك الكتاب أن تكون أرباحه كثيرة جدًا.
وبعد مرور عامين حدثت صديقتها مديرة التنفيذ، فكانت الطامة الكبرى؛ إذ أنكرت المبيعات رغم تأكيدها لها خلال العامين أن الكتاب يتم بيعه، فقالت الكاتبة لها “وهو كذلك” اعطيني عدد النسخ المنصوص عليها بالعقد لأبيعها أنا، فراوغتها!!.. وما زالت قضيتها حتى الآن وما يضعف وضعها عدم وجود عقد مبرم بينهما، ولكن المحامي طمأنها لوجود تسجيلات صوتية ورقم ايداع بنكي قامت الكاتبة بإيداعه باسم الدار في البنك.
وأخيرًا
لابد من إنقاذ هؤلاء الكتاب من براثن النصابين فى سوق النشر، فقد أصبحت “سبوبة”، فهم ينشرون أي شيء مهما تدنى المحتوى للأرباح المادية وفقط.
ولابد من وجود لجنة من قبل وزارة الثقافة تقوم بتقييم الكتب المعروضة عليهم وإجازة الصحيح والمقبول موضوعًا مع التيسير، ثم نشره ولا باس من أن يكون ذلك على حساب الكاتب.
ولكن تقوم الوزارة بالرقابة وتحقيق المصداقية التي يناشد بتحقيقها الجميع، فالكتاب والأدباء هم ثروة حقيقية تمتلكها البلاد ولابد من استغلالهم الاستغلال الذي يعلي من شأن البلد ووضعها الاقتصادي – أيضًا – فالقراء يسافرون لكي يحضروا المعارض وكذلك يتم تسويق الكتب بالدول الأخرى.