د. قاسم المحبشى يكتب: من ينقذ الأرض من أخر الزائرين ؟! (1 من3)

ملاحظة أولية مخاطر التنافس التقني
يبدو إن العربة سارت بغير ما كان يشتهي السائق! فها هي النتائج مخيبة للآمال, وها نحن اليوم إذ نطل على الحداثة السعيدة من شرفات القرن الحادي والعشرين بعد أن أفلت نجم الفكر الماركسي والوجودي والبنيوي, تاركة الإنسان الذي زعمت أنها حلت كل مشكلاته, نهبا لشتى أشكال التهديات والمخاوف والمآسي والمشكلات العويصة التي لا تلوح بالأفق القريب أي حلول سعيدة لها.
وهذا ما انتهى اليه “دلسول” في كتاب “الأفكار السياسية في القرن العشرين” 1994م, إذ اشار إلى إن جميع الكتابات منذ نهاية القرن الماضي حتى الربع الأخير من قرننا لم تنتجح في ايضاح الصورة المعاشة لاحوال حياة الانسان العقلية, بل كادت أن تبتسر كل ذلك بتقديم خارطة مشوهة بغايات مختلفة للحضارة التي سلكها الناس في زمانهم القديم والحديث والمعاصر ويعيد -السبب في ما أسماه بالانهيار الحضاري الراهن, الذي يكاد ينتهي بالإنسان إلى مآزق إنسانية كبرى, وأزمات وجودية مستعصية لا تنتهي الى حلول سعيدة – إلى طبيعة الأحداث والكوارث التي شهدها قرننا, حيث قال :
“ما من شك أن تجمد الجو الروحي في وقائع فعلية على مستوى الأحداث التي انتهبت الإنسان والعالم ممعنة فيهما قتلا وتمزيقا, هو الذي تسبب بالنتائج المدمرة التي نعانيها، أو نخاف أن نعانيها في وقت قريب على شاشة الكون.”
تلك الفقرة التي تذكرتها الآن سبق وأن كتبتها في ختام رسالتي في الماجستير الوجود والماهية في فلسفة جان بول سارتر بإشراف الأستاذ الدكتور أحمد نسيم برقاوي.
وقد حذر فلاسفة القرن الماضي من المآلات التي تسير اليها حضارة التقنية الحديثة.
فهذا الوضعي المنطقي “برتراند رسل” على الرغم من شكه وتردده في تقدير أهمية الفلسفة ومضمونها, يعلن في النهاية إن هناك أسئلة عامة معينة لا يمكن الإجابة عليه في المختبر، أو في الكتب المقدسة، بل هي من نصيب الفلسفة كمعرفة شمولية ومن هذه الاسئلة: ” هل الإنسان هو ما يبدو للفلكي, كومة صغيرة من الكربون والماء غير النقي، يزحف عاجزا على كوكب صغير لا أهمية له ؟ أم هو ما يظهر لهاملت؟! هل هو – ربما كلاهما معا ؟! هل هناك طريق نبيل للعيش وأخر وضيع ؟! أم أن طرق العيش كلها عابثة فحسب ؟!.. وإذا كانت هناك طريقة نبيلة للعيش فعلا ما تقوم ؟! وكيف نحققها ؟! هل ينبغي أن يكون الخير أبديا لكي يستحق أن يقيم, أم أنه جدير بالسعي إليه, حتى لو كان الكون يتحرك بعناد نحو الموت ؟!
تجدر الإشارة إلى أن هذه اللغة اللاهثة, اليائسة, هي التي كانت سائدة في فضاء الفكر الأوروبي, إبان فترة ما بين الحربين حينما كان السؤال الذي أقلق أعظم مفكري وعلماء أوروبا حينذاك هو : هل يستطيع الإنسان العلمي البقاء؟ وما هي الشروط التي يمكن تحقيقها إذا ما أراد البشر الاستمرار في العيش زمنا طويلا ؟ هكذا لخص “برتراند رسل” المشكلة في كتابه: “هل للإنسان مستقبل” الصادر عام 1969م إذ أوضح فيه أنه ” فيما يتعلق بالشروط الجسدية لايلوح أن ثمة سببا كافياً يمنع الحياة بما في ذلك الحياة الإنسانية ألا تستمر ملايين السنين، وأن الخطر يأتي ليس من وسط الإنسان البيولوجي وإنما من ذاته”، وأضاف: ” لقد عاش الإنسان في وضع يسوده الجهل والتوحش, فهل يستطيع الاستمرار في البقاء الآن بعد أن فقد درجة الجهل المفيدة؟!.”
واضح أن عصرنا الراهن وقد استبد به الخوف والذهول لم يتمكن من الإجابة على تلك الأسئلة المتعلقة بكينونة الموجود, حياته، صحته، قدراته، حريته، تاريخه، مصيره, ولم تستطع الحرية كما أريد لها أن تكون فضيلة، معيار انطولوجي للحياة الكريمة على كوكب الأرض، وما هي حرية الأفراد والدولة في عالم مكبل بفيروس كورونا كوفيد-١٩ ومهدد بصارخ مجنون يحلق فوق رأسه؟ .. ومازال للكلام بقية فانتظرونا

زر الذهاب إلى الأعلى