سماح عطية تكتب: مجلس قومي للطفل المفقود
مرت سنوات كثيرة عليها، بدت أيامها وشهورها كأنها أعماراً ثقالاً… إلا أنها مازالت تحمل الأمل بداخلها.. وتفتش عنه في وجوه الناس.
مازالت تحدق بعينيها اللتان أذبلهما البكاء في تفاصيل وجه كل من يمكن أن يكون في عمره.
تجرّ رجليها المتعبتين لتلحق بأي طفل تراه من ظهره يشبهه، ويدفعها أملها لرؤية وجهه، فتقترب أكثر فأكثر لتنال هذا الأمل بشغف ولهفة.. حتى يغشى عليها من مرارة الألم عندما تقف أمام الطفل الذي لحقت به.. واكتشفت أنه ليس طفلها الذي ضاع منها منذ عدة سنوات.
مزيد من مقالات الكاتب| سماح عطية تكتب: قطعة اللحم الباكية
سماح عطية تكتب: المواصفات القياسية للتشرد
تنهار وتتهدم وتنهزم.. وتأخذ من الهواء شهيقاً عميقاً يعقبه زفرة قهر.. وتبتلع نذر ريقها الذي جف من الحزن وقلة شرب الماء.. فقد قاطعت المياه مادامت لا تعلم هل يرتوي طفلها أم لا
وتلملم جسدها المنهك من قلة تناول الطعام.. فقد خاصمت الشبع مادامت لا تعلم هل جوف ابنها ممتلئ بالطعام، أم أن أحشاءه تلتف حول بعضها من شدة الجوع.
وتنظر إلى السماء لكي يمنحها الله من حوله وقوته لتقوي على مجهود رحلة بحثها عن طفلها.
فمحضر قسم الشرطة الذي حررته فور فقد طفلها لم يتوصل إلى شئ، وصورة فلذة كبدها أرسلت لجميع أقسام الشرطة من شمال إلي جنوب مصر، لتنضم إلى آلاف من صور لأطفال مفقودين ومخطوفين.
ركبت قطاراً كعادتها لتبحث في وجوه ركابه.. وجابت محافظات مصر ربما ترد روحها إليها وتجد طفلها الضائع.
وبينما هي جالسة أخدت تحدق في وجه شاب كان جالساً في المقعد المقابل لها، لا تغادر عينه شاشه هاتفه المحمول.
وأخيراً استبدلت التحديق بالكلام، وسألته أن يساعدها في نشر صورة ابنها المفقود من خلال تليفونه، فهي إنسانة بسيطة سمعت عن الإنترنت الذي يعلم كل شئ ولا يخفى عليه خافية.
أخذت تتحدث للشاب ليكتب كلامها ودموعها تنهمر تدعوه أن يكون حريصاً جداً على ما تبقى لها من ذكرى ابنها، وحريصاً على صورته قبل تسجيلها في هاتفه والتي كانت تتحسسها وتقبّلها وكأنها صورة يكسوها لحم وعظام ابنها وتتنفس هواءه.
وتضاف صورة الطفل إلي آلاف الصور التي نطالعها عبر المواقع، والتي لا تسفر عن جديد، لا يضاف لها غير “اللايك والشير” من قِبل رواد التواصل الاجتماعي.
والمأساة تفرض السؤال: ألا يأتي اليوم الذي يدشن فيه مجلس قومي أو هيئة للطفل المفقود؟! فمثل هذا المجلس يتيح تجميع صور وبلاغات الأطفال المفقودين في مكان واحد، وحاسب آلي مركزي يتيح التنسيق مع وزارتي الداخلية والتضامن الاجتماعي، عساه يرد الروح لكل أم فقدت طفلها أو طفل فقد أسرته ويبحث عنها.