أسماء خليل تكتب: الكيانات الموازية والتقدم الحضاري
حينما نتحدث عن التقدم الحضاري وازدواجية الطموح بين المواطن وبلده للوصول إلى عنان السماء في الرقي؛ نتحدث عن الكيانات الموازية، فتلك الكيانات يسعى إلى تأسيسها أفراد الشعوب وهم في حالة من السعادة أثناء الرحلة للوصول للهدف، وكذلك تسعد وتنهض البلد التي تأوي أولئك الأشخاص بطموحاتهم البنَّاء.
إنها تلك المشروعات والمؤسسات التي يقوم بتأسيسها أفراد الوطن، وتكون موازية لمشاريع ومؤسسات الدولة؛ مما يعود على الجميع بالتقدم، وإنَّني لأناشد المسؤولين بتسهيل المهمة لحاملها، وتسهيل إجراءاتها، على أن تكون تلك المهمة أدواتها حب الوطن ومعاييرها الجد والاجتهاد والصبر..
وفي البداية، أود التأكيد على شيئين في غاية الخطورة؛ إذ أن هناك فرق بين كون تلك الكيانات تمثل “فوضى مجتمعية”، أو “طفرة حضارية”، هو إشراف الدولة باعتبارها “الضمير” والدليل للشعب على الاستحقاق من جهتها بالعمل، والأمر الآخر أنه “لا للكيانات السياسية الموازية”، لأن قيادة البلاد لابد أن تكون موحدة، حتى لا يحدث صراع على السلطة تؤدي إلى انهيار البلاد.
وبشكل شخصي، في مرحلة الطفولة، كنتُ ملتحقةً بمدرسة تسمى “مدرسة النيل الابتدائية”، وكم كنتُ أتعجب من شكلها، فبها حديقة تنتهي بباب يُفضي إلى ردهة كبيرة جدا متفرع منها حجرات كثيرة وهي الفصول، وفي الناحية الأخرى مطبخ كبير وبعض الأبنية الصغيرة ومنها بناية لفراش المدرسة، فاجأني جدي – حينما سألته عن الأمر – واتضح بأنه تخرج من تلك المدرسة، قال لي إنها كانت “فيلا” بآخر الشارع، وقام صاحبها بالتبرع بها تحت إشراف من الدولة؛ لجعلها مصدرًا مساعدًا لبلده في تعليم النشء.
اقرأ أيضا للكاتبة| أسماء خليل تكتب: مِهنٌ لا تقبل الاستقالة!!
أسماء خليل تكتب: تليفزيون لكل مواطن
أسماء خليل تكتب: الساحرة المُستديرة والعقول المُستنيرة
وقد كانت وماتزال تلك المدرسة قائمة حتى الآن، وكذلك مدرستي الإعدادية كانت “فيلا كبيرة” يمتلكها صاحبها السيد “عزيز أباظة”، وأيضًا تبرع بها كمساعدة في النهوض بالتعليم الأهلي، وسُميت المدرسة باسمه “مدرسة عزيز أباظة الإعدادية للبنات”، تلك المدارس كانت أشبه بالمدارس الخاصة، وكم كان الأهالي سعداء بذلك!..
وعلى جانب آخر، إذا كنا بصدد خريجي كليات دار العلوم والآداب والتربية، وكذلك كلية الدراسات الإسلامية الأزهرية التي تعد معلمين في المستقبل، وبصدد طالب متوسط الفهم ضعيف التفكير يصيب أهله بخيبة في الأمل، مهما تقوم الدولة “مشكورة” بفضل قائدها والعاملين على النهوض بالعملية التعليمة بإنشاء مدارس وتطوير في المناهج..
لماذا لا يتم السماح للـ“السناتر التعليمية” و“الأكاديميات” بممارسة عملها دون تهديد القائمين عليها بغلقها ما بين الفينة والفينة، إنها تقوم بعمل موازي لما تقوم به الدولة، يعمل بها جميع خريجي الكليات المذكورة آنفا، فتقل البطالة ولا يلح هؤلاء الخريجين بمطالبة الدولة لإيجاد وظائف لهم، وكذا يعمل معهم مساعدين وعاملي نظافة ومشرفات.. إذن سيتم النهوض بمستوى الطالب المتدني الفهم؛ لقد ساهمت تلك الكيانات – في الآونة الأخيرة- في النهوض بمستوى الطلاب وأضحى الكثير من الطلاب يحصلون على 100٪ بآخر العام.
وعلى أرض الواقع ليست كل الشائعات التي يتم ترديدها صحيحة، من حيث أن هؤلاء المعلمين يعتمدون – فقط – على الحفظ والاستظهار للوصول لعقل الطالب؛ ولكنهم يقومون بالاعتماد على الفهم وإعمال العقل، فكم من طالب في العهد الحديث اخترع مخترعات وتفوق في مجاله، وكذلك تلك الشائعة التي تذكر أن الطالب يدفع في تلك الكيانات مبالغ طائلة، هذا ليس صحيحا، الذي يتقاضى أجرا كبيرا هم المعلمون الذين يذهبون للطالب بمنزله ويعطون أوقاتهم ويصعدون الدرج في مشقة، وهنا ولي أمر الطالب حر فيما يفعل، فأمامه كثير من الخيارات.
إن أصحاب تلك الكيانات، يتقاضون أجورا بسيطة في متناول يد الأهالي، فتقوم تلك المبالغ بجعلهم أغنياء عن تكفف الدولة، وكذلك أسعدت ولي الأمر بتفوق ابنه، وعلي سبيل المثال وللتبصرة يكون المستوى المتوسط لما يدفعه الأهل في الكثير من محافظات مصر كالتالي، ١٥٠ جنيها بالشهر في كل المواد للتعليم الابتدائي، ٤٠٠ جنيها في كل المواد بالمرحلة الإعدادية، ١٢٠ جنيها في المادة للمرحلة الثانوية، إن من يدفعون المبالغ الباهظة هم من يحضرون المعلمين بالمنزل.
ولكي نخرج من إطار “الفوضي”، لماذا لا تشرف الدولة على تلك الأماكن وتقوم بتصريح واضح لها للسماح بعملها، وتقاضي ضرائبًا وعمل سجل لهم، وكذلك وضع مستوى من المصاريف لا يتخطاه القائمين على تلك المؤسسات؛ للتخفيف عن الطالب..
وبالانتقال إلى حقلٍ آخر، هل يسمع أحد- الآن – عن الموظف الذي كان “جورناله” مُلازما له حين عودته من العمل؟!.. أين “الجورنال”؟!،وعليكَ أن تتعجب أكثر حينما تعلم أنه ما يزال – حتى الآن- الخريج الشاب للكليات الإعلام والآداب، حينما يرغب في الالتحاق بالنقابة العامة للصحافة والإعلام أن يتدرب لمدة عامين في صحيفة ورقية، فأين هي تلك الصحيفة!؟ .. وكيف يلتحق بها للعمل وهي لا تقبل صحفيين جدد؛ لأن أصحابها يخسرون كل يوم..
لماذا لا يتم الاعتراف بشكل رسمي وعلني ب “الصحافة الإلكترونية” باعتبارها كيانا موازيا يعمل به الآلاف، فهي مستقبل الصحافة بالعالم، ولماذا لا تقوم الدولة بالإشراف على ذلك، واختيار أشخاصًا يقومون بفرز وتنقيح المؤهلين للعمل بها وإلحاقهم بالنقابة الموازية التى يسعى الأشخاص ببنائها وهم سعداء!!
وأيضا، على سبيل المثال صناعة الخبز الذي يكلف الدولة ملايين، لماذا لا يتم السماح لمؤسسات أهلية تقوم بصنع وتوزيع الخبز على المنازل، وتلك حرية في الشراء لمن أراد، سيجدها البعض في البداية مكلفة ولكن بعد ذلك ستُراه شيئا مريحا جدا، كذلك على مستوى تنظيف الشوارع والبيوت….. إلخ.
كيانات زراعية مماثلة تقوم بزراعة منتجات ولتكن “أورجنك”، كيانات اقتصادية مماثلة ويكون لها نقابات تحت إشراف الدولة.. كيانات على كل الأصعدة.. وسيبنيها بنجاح القائمين عليها ويدافعون عنها بكل قوتهم؛ لأنهم هم أصحابها والمتربحون منها..
وإذا قال أحدهم إن الخروج من عباءة المؤسسات الحكومية هو عبء على المواطن!!.. فهذا ليس صحيحًا على الإطلاق، فكون المواطن يسعى لتحقيق أهدافه تحت إشراف دولته، فيه منفعة عظيمة للفرد والمجتمع، فالجميع سيعمل ويقوم بعمل خلية يلتحق بها الكثيرون ويدر أرباحا هائلة له وللعاملين معه ولوطنه.