أديرة غرب سوهاج.. تُحف معمارية تُجسد بدايات الفن القبطي
كتب: إسلام فليفل
عندما تبني مكانا لعبادة الرب، وإقامة الشعائر الدينية، فستريده أن يبدو جميلا، ربما ستريد أن يكون ما تبنيه هو أعظم شيء فعلته على الإطلاق، ولهذا السبب على الأرجح، تُعتبر الكنائس من أجمل ما بناه الإنسان وأكثرها إلهامًا، لا يمكنك فقط رمي بعض الأحجار معًا في اللحظة الأخيرة وتأمل أن يصبح ما فعلته مذهلًا، فقد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، ولن يكون سهلًا أبدا، خلق الله الكون جميلًا متكاملًا، لذلك نحرص دائمًا على بناء دور عبادة تعكس صورة هذا الجمال بقدر ما نستطيع وفي حدود إمكانياتنا البشرية.
الديران الأحمر والأبيض
وينطبق هذا بوضوح على الديرين “الأحمروالأبيض”، فبمجرد فتح أبواب تلك الأديرة، تدهشك عظمة ما أبدعه إنسان سبقك بقرون عديدة ليأتي إلى هذا المكان ويُمثل إبداع الخالق في خلقه.
يقع الديران الأحمر والأبيض في غرب سوهاج، بصعيد مصر، وهما اثنان من الكنائس الرهبانية، تقف على حافة المدينة بالقرب من سوهاج، وسط ما قد يكون واحدًا من أغنى المواقع الأثرية القبطية الباقية، وأكثرها حافظا على نفسها، وهما بالأصل دير واحد لكن تم تقسيمه إلى ديرين مختلفين مع مرور الوقت، وتعود كنائس الديرين الأبيض والأحمر إلى السنوات الأولى للرهبنة المسيحية، والتي ولدت في الصحراء المصرية في السنوات الأخيرة من القرن الثالث الميلادي، وتظهر الكنائس مزيجًا من الأنماط المعمارية الفرعونية والرومانية والمسيحية، وتستعرض “بيان” جزءًا من تاريخها:
الدير الأبيض
على أرض صخرية فوق مستوى فيضان النيل القديم، وعلى بعد 6كم شمال غرب سوهاج، تم تأسيس الدير الأبيض العريق من قبل “الأنبا شنودة” نقيب المتوحدين مكرس لمعلمه القديس بيغول في القرن الرابع الميلادي، وفي حديث مع راهب الدير”الأنبا فام” قال لـ”بيان” إن سبب تسميته بالدير الأبيض يرجع إلى طريقة بنائه والتي كانت بالحجر الجيري الأبيض المعاد استخدامه من المعابد الفرعونية، ولا تزال النقوش الهيروغليفية القديمة ظاهرة في بعض الكتل في الدير، كما أن تصميم الجدران الخارجية يُبين مدى تشابهه مع المعابد القديمة بسبب اختلاف احجام وأطوال العمدان التي كانت تجمع من المعابد المحيطه من قبل الأنبا شنودة للاستفادة منها، لذلك هناك منها القصيرة والطويلة.
وأضاف فام، أن الكنيسة تعتبر واحدة من أهم الكنائس معماريا في مصر، ولها تأثير كبير على بناء الكنيسة في وقت لاحق، حيث يدخل الزائر الآن من خلال بوابة في الجدار الجنوبي إلى غرفة طويلة موازية للكنيسة، الوظيفة الأصلية لهذه المساحة غير مؤكدة، ومن الغرفة الطويلة، يؤدي الباب مباشرة إلى المنطقة العامة الكبيرة أو صفي الكنيسة، حيث كانت الجماعة تقف في الأصل خلال القداس، وفي الأصل كان الدير مغطى بسقف، ولكن سقف المبنى مفقود الآن.
وأشار الأنبا فام إلى أن صحن الكنيسة كان يتكون من دورين لكن تهدم نتيجة لزلزال حدث في القرن الثالث عشر، ويحتوي الدير أيضًا على بئر أثرية كانت تستخدمها الرهبان وقتها للشرب.
الدير الأحمر
يقع الدير الأحمر غرب مدينة سوهاج على امتداد الدير الأبيض بمسافة تصل إلى نحو 4كم، وتم تصميم الدير على الشكل البازيليكي، ويحتوي الدير على هيكل الكنيسة وجزء متهدم من البازيليكيا وكنيسة السيدة العذراء وصحن الكنيسة.
وقد أنشأه “الأنبا بشاي” في أوائل القرن الرابع الميلادي، وسُمي الدير الأحمر بذلك الأسم، نسبة إلى الطوب الأحمر الذي تم استخدامه في بناء الدير، ويعتبر الدير مثالا مذهلا للفن والعمارة البيزنطية، في الوقت المبكر.
وفور دخولك من باب الدير تُدهشك ألوانه الزاهية وأيقوناته ذات التفاصيل المذهلة، وخاصة عند معرفة أن هذه الرسومات يعود عمرها إلى ما يقرب من 1500عام، ووضح الراهب”أنطونيوس الشنودي” أمين الدير، أن هيكل الكنيسة بناء متفرد لا مثيل له بسبب ضخامته وألوانه المبهجة والصور والأيقونات التي توجد على أعمدة وحوائط الدير الذي أكد على أصليتها المصرية.
ويعد الدير الأحمر أقدم دير دخل في منظمة اليونسكو سنة 2002، حيث إن الدير في ذلك الوقت كان شبه مدمر، لذلك قرر مركز البحوث الأمريكي الاهتمام به، وبدأ العمل في الدير الأحمر سنة 2002 والتركيز على الجزء السفلي من الكنيسة، وخصصوا فريقا إيطاليا للرسم على الحوائط، وتم الانتهاء من ترميم الكنيسة وما بها من أيقونات ورسومات سنة 2014 بتكلفة 30 مليون دولار.