أسماء خليل تكتب: لا تقتلوا في عيد الحب
لفت أحدهم انتباهي بوسائل التواصل الاجتماعي وهو يقول مستنكرًا : لابد أن نحتفل أكثر من ذلك بعيد الحب، فرد عليه آخر في حالة من الكوميديا الساخرة : “حب إيه يا بني دا احنا بنقتل بعض”..ابتسمتُ قليلًا ثم تأملتُ ذلك الأمر، فحقًا مابرحنا رؤية مشاهد القتل على مرأى ومسمع من الجميع على مسرح الحياة، نفس المشاهد ولكن مع تغيير بسيط بالنَّسَبِ العائلي للأبطال، فقد أصبحوا من الأقارب أو المُحبين.
وإذا سلَّمنا جدلًا أنَّ القُطبين المُختلفين ينجذبان وهذه قاعدة كيميائية تفسرها علوم الميتافيزيقا، فهل الإنسان أصبح مادة بالإمكان تطبيق النظريات العلمية عليه؟!.. فشتَّان بين قطب الحب وقطب القتل، كيف تزامنا في سفينةٍ واحدة؟!..
إن العلماء لم يتخذا مقياس المطر أو مقياس ريختر لقياس مدى الحب بين المُحبين، بل تم تحديد درجة تلك العلاقة قياسًا على مدى المودة بين الأم وولدها ..الأخ وأخيه ..الزوج وزوجته، فكيف لتلك العلاقات التي كانت قاموسًا لا تتغير معانيه السامية أن يضيع هكذا في مهب الريح!!.. كيف لأم أن تَنْقَضَّ على ابنها الرضيع وتخنقه من أجل عشيقها، ألم يرنُ إلى علمها ما قامت به ماشطة فرعون من أجل وليدها؟!..
أين الثوابت الإنسانية التي كان من بينها عدم وجود رغبات جسدية بين المحارم؛ فما لبثنا نرى أخ يراود أخته عن نفسها، وأب يغتصب براءة ابنته وربما أرغمها على ممارسة البغاء.. في الحين الذي ضرب الله أعظم الأمثال علي مر التاريخ كي يكون ذلك عظة للبشر، فالقارئ في التاريخ الفرعوني يكتشف ان“ توت عنخ آمون” كان معاقا ولديه أمراض خطيرة بسبب التشابه الجيني الوراثي بين أبيه وأمه فقد كانت أمه أخت أبيه، فكيف يحدث ذلك في أمم تحمل كتب الله السماوية؟!..
إنَّ السبب الرئيسي – حقًّا – فيما آلت إليه الأمور، هو ضياع “الحب” ، فحينما ضاع الحب من قلوب البشر، حلَّت محله القسوة بعقولهم، فصارت الجريمة في أبشع صورها، لقد كان القاتل منذ زمنٍ ليس بالبعيد يقتل غريمه بشكل رحيم بوضع بعضًا من السُّمِ في الأطعمة أو المشروبات، ولكن أن يمثل القاتل بجريمته بل ويفتخر بها، فهذا مُدعاة لفقدان العقل وليس لمجرد الدهشة، لقد تبدلت رمزية اللون الأحمر المُقدس لدى المصريين؛ فبدلا من كونه رمزًا للنضال ودم الشهداء، أصبح دلالة على الانتقام وأكل لحوم البشر!
اقرأ أيضا للكاتبة|
أسماء خليل تكتب: التاريخ.. والعُذَير
أسماء خليل تكتب: الحب والمصلحة الاجتماعية
أسماء خليل تكتب: زواج من نوع آخر
حينما ضاع الحب ضاع كل شيء، ولا يوجد زمان فقد فيه الناس الحب مثل زماننا، فمرورًا بكل الحقب الزمنية السابقة نجد أن الحب كان موجودًا، فقد صرح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن الله سبحانه قد زرع في قلبه حب عائشة – رضي الله عنها- وحينما سئل عمن يحبه بعدها قال أبيها، فلا أحد يتحجج بالانشغال وضيق اليد؛ فلم يكن هناك رجلًا مشغولًا أكثر من النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – فقد كان يبلغ رسالة ربه ويحمل هم أمة بأكملها، ولما يكن النبي غنيَّا، بل كان مُتعففًا.
وكذلك المصريين القدماء فقد قدسوا الحب، وصنعت الحضارة الفرعونية دستورها الذي يرمز للعدل والمساواة على أساس الحب، وقد رصدت النقوش والرسوم على معابد ومقابر الفراعنة وأوراق البردي شتى الصور المختلفة للعلاقات الإنسانية القائمة على الحب بين جميع الأطراف.
ليست كل الجرائم يستحق مرتكبيها التأهيل والتهذيب فقط، بل الإصلاح الشامل لكل المفاهيم التربوية التي تربى عليها هؤلاء منذ أن وطئت أقدامهم الدار الدنيا، واجدين أنفسهم وسط أسَرٍ يجمعهم جفاف المشاعر وعلو الصوت والانشغال عن أولادهم بالدنيا الفانية.
إنَّ الدعوة التي تستحق عرضها على المجتمع ليست هي النهي المعهود “أن لا تقتلوا” ، ولكنها دعوة للحب.. للعلاقات الإنسانية التي يمنع فيها الاحترام بين الشخصين أن يرفع عينه في الآخر وليس سلاحه!.. إذا كان القتل هو اليأس.. الإدمان..الإحباط.. اللاسعادة.. الخوف من المستقبل؛ فإن السعادة التي بإمكانها سحق كل تلك المعاني التي تقود للقتل سُلطانها الحب.
مَن لا يُسدي كلمة شكرٍ لشريكه عما يبذله مع عطاءٍ لأجله، أو يربت على كتفه وقت المحن، أو يحاول إسعادَه ولو بوردةٍ بيضاء، أو يُسانده في دربه، أو يمسح دمعه.. ومَن لا يسأل شريكه يومًا عمَّا يُحزنه.. عما يؤلمه..عما جعله يهرب من الواقع للإدمان أو الانحراف؛ لا يسأله يومًا آخر.. لماذا قتلتني!؟.