إسلام كمال يكتب: خطورة تسييس انتفاضة التراويح!
منذ بداية الشهر الكريم، والاشتباكات متصاعدة بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمصلين في المسجد الأقصي بعد انتهاء كل صلاة التراويح، وبالذات في أيام الجمع، حيث يتجاوز عدد المصلين فيها رغم التضييقات أكثر من ٧٠ ألف مصلي، حتى أننى أسميتها “انتفاضة التراويح”، وأطهر ما فيها أن محركاتها شعبية بلا تسييس، في البداية على الأقل.
إلى أن جذبت هذه الاشتباكات اليومية بين شرطة الاحتلال والمصلين الأنظار، خاصة إنها كانت تتبلور على خلفية اقتراب قرارات مصيرية فى عدة مناحى منها تشكيل الحكومة الإسرائيلية، والانتخابات التشريعية الفلسطينية، التى تأجلت في الغالب بسبب عرقلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي لعملية إجراءها في القدس الشرقية المحتلة، ومن هنا تم تسييسها للأسف من كل الجهات، وحاولت أن تركبها مختلف الحركات، كل على طريقته، لكن الشعب الفلسطيني بقيادة المقدسيين الأطهار مضي في طريقه مصرا على الدفاع عن الأقصي رغم التكثيفات الأمنية، وبالفعل تراجعت التضييقات أمام الضغط الشعبي، بالتنسيق بين الشرطة الإسرائيلية والشاباك، الذي حذر من تفاقم الأمر.
وكان السبب الرئيسي للتصعيد السريع للأحداث، تسييسها من قبل جهات إسرائيلية وفلسطينية بل وإقليمية ودولية، خاصة إنها وصلت لحد اقتحام شرطة الاحتلال المسجد الأقصى، ونحن نترقب ليلة القدر والتى ستشهد بعد ساعات منها محاولة اقتحام جديدة خلال ما يسمى بيوم يورشاليم الصهيوني، وسط هجوم دولى ضد هذه الاعتداءات، والذي كان أشد من التنديد العربي التقليدى في أجواء غير تقليدية، حتى استدعت القاهرة وعمان السفيرين الإسرائيليين بهما للاعتراض على هذه الممارسات.
هذا الاقتحام الذي تم قبل الاقتحام الأكبر والأكثر استفزازا المقرر من جماعات صهيونية متشددة تدعى “هيئة منظمات الهيكل”، عشية ليلة القدر يوم ٢٨ رمضان، وطبعا الأحداث الساخنة في حى “الشيخ جراح” تزيد على الأحداث أبعادا إضافية غير التى عليها فقط، وكل هذا بسبب استفزازات صهيونية من مستوطنين مسلحين يحاولون طرد أهالى الشيخ جراح من بيوتهم القديمة، بحجة إنها مبنية في ١٩٥٦، على أراضي ملك ليهود منذ ١٩٤٨، ورغم الانتقادات الدولية في غفلة عربية بصورة أو أخرى، إدعت الخارجية الإسرائيلية إنه مجرد “نزاع عقارى”، لكن طالبت الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوربي بوقف هذه التصعيدات، واعتبرت الأمم المتحدة ما تفعله إسرائيل “جريمة حرب”، وكان البيان العربي الأشد لهجة ضد هذه الإعتداءات الإسرائيلية من الأزهر، ليس إلا!!!
الأمر الأكثر خطورة أن حماس وممولوها، تريد التربح من هذه الانجازات البطولية الشعبية للمقدسيين، في وقت يزيد فيه القلق من سيناريوهات انتشار الفوضي في الشارع الفلسطينى على خلفية تأجيل الانتخابات الفلسطينية، بدون خطة واضحة، الأمر الذي يضرب شرعية المؤسسات الفلسطينية الباقية بلا انتخابات منذ حوالى ١٥ عاما، ولن يضيع الجيش الإسرائيلي الفرصة فهو بالفعل يسرب أنباء عن تدريبات غير تقليدية تشابه الحرب في عدة جبهات، بل ويروج نتنياهو إلى أن القدس من الممكن أن تستهدف بصواريخ، لم يحدد إن كانت من حماس أو حزب الله أو إيران، في وقت هددت طهران بضرب مفاعل ديمونة نفسه على خلفية التصعيدات المتبادلة بينهم، ورفع حزب الله طوارئه للحالة القصوى، لأول مرة منذ حرب ٢٠٠٦.
وكالعادة يسير نتنياهو على نفس خطى حماس، لأن التصعيد الكبير في القدس والأقصي لن يضره هذه المرة، فالأحداث تجاوزته، والكل يجهز لمرحلة ما بعد نتنياهو، وهو مصر على تفجير المشهد ليعاقب كل من يريدون التخلص منه، وتحويل الأنظار عن فشله وتصديره لخصومه، الذين يحاولون تشكيل حكومة طوارئ رغم اختلافاتهم الأيديولوجية، من أقصى اليمين لأقصى اليسار، بقيادة مستوطن موسادى لا يقل في يمينيته عن نتنياهو، إسمه نفتالى بينت رئيس حزب “يمينا”، والذي سيحقق رقما قياسيا تاريخيا لو أصبح رئيساً للوزراء بسبع مقاعد فقط!!.. ونتنياهو بتصعيد الموقف في الأقصي يريد أن يفجر الخلافات بين خصومه ويحبط محاولات تشكيل حكومة الخلاص من نتنياهو، ومن ناحية أخرى يريد أن يحول الأنظار عن قضايا فساده التى تسير فيها إجراءات محاكمته بشكل كبير، وهذا ما كان واضحا جدا في كلمته أمام الحكومة، والتى شدد فيها على إسرائيلية القدس المزعومة.
لكن هل يريد نتنياهو أيضا أن يعاقب إدارة بايدن الداعمة للتخلص منه بشكل أو أخر بتفجير المنطقة التى تخطط واشنطن لتهدئتها لتتفرغ للصين وروسيا؟!، أتصور أن هذا الأمر ليس بعيدا هو الآخر، خاصة أن زيارة الوفد الأمنى الإسرائيلي بقيادة رئيس الموساد يوسي كوهين حليف نتنياهو لواشنطن، والذى إلتقي خلالها بايدن، وكان عنوانها الرئيسي الملف الإيرانى، لكن ما خفي كان أعقد، فشلت في تحقيق أهداف نتنياهو من الاجتماعات بشكل واضح.
إجمالا، أتصورها أن الفرصة سانحة لمكسب جديد بعد هزائم كثيرة في القضية الفلسطينية وملحقاتها، لكن التسييس واستغلال الجهات المختلفة للأحداث، كل لمصلحته سيفشل الحراك الشعبي البطولى، حيث يأتى للأقصي الفلسطينيون من كل مكان رغم التضييقات الإسرائيلية، فأرجوكم اتركوا الوطنيين يتحركوا دون تسييس بطولاتهم، فلو ضاعت الفرصة هذه المرة صعب أن تتكرر.