لقطاء رغم ثبوت النَّسب «أبناء المُنفصلين» إلى أين؟.. أستاذ علم النفس توضح
كتبت: أسماء خليل
في عالمٍ اتسمَ بالقسوة، تأتي ظاهرةٌ هي الأكثر قسوة على الإطلاق.. إنها ظاهرة تخلِّي العالم بأسره عن “أبناء المُنفصلين”، من قِبَلِ أبيهم وزوجته وأمهم وزوجها.. أعمامهم واخوالهم وأجدادهم.. بل من المجتمع الذي يُعاملهم كلُقطاء رغم ثبوت نسبهم إلى آبائهم!..
هل من العقل أن يبلغ عدد المطلقات تبعا للإحصائيات الرسمية 4 ملايين مطلقة، وقد أزهقوا أرواح ٩ ملايين طفلًا وهم ما يزالون على قيد الحياة، يحيا منهم نسبة ٥٥٪ حياة سيئة غير آدمية، يتسرب نسبة ٤٠٪منهم من التعليم.. كما رصدت الإحصائيات ان ٣٠ ٪من هؤلاء الأطفال المكلومين يقيمون مع المطلق وزوجته الجديدة ،و25% يعيشون مع الأم، كما يقيم ٤٥ ٪. منهم مع أقارب الزوج أو الزوجة.
تؤكد الدكتورة “إيمان عبدالله” أستاذ علم النفس وخبيرة الإرشاد الأسرى ل “بيان”، أن أبناء المُنفصلين يعيشون بين رفض واضطهاد من كلا الأسرتين، حيث يتم معاملتهم بطريقة “أبشع” وأكثر من أبناء مجهولي النَّسب، رغم أن آبائهم مازالوا على قيد الحياة وأماتهم تُرزق في هذه الدنيا، فبمجرد الانفصال يريد كل كائن حي منهم شطر ذلك الكائن الحي إلى نصفين ويقوموا بإخفائه من الدنيا وما فيها.. فإذا كانت الأم لديها رحمة وأخذت أولئك الأطفال الأبرياء؛ تجد أن هناك مشاكلًا لا تنتهي.. حيث يجد الأبناء صورة أبيهم القاسي الذي انتُزِعَت الرحمة من قلبه تتكرر في ذلك البيت.
الأجداد والاتزان المفقود
وتُشير أستاذ علم النفس إلى أن كثير من الأجداد يرون في هؤلاء الأطفال عبئًا كبيرًا على ابنتهم، فتُراهُم يقولون لها “بيت أبيكِ مفتوح لكِ وارمي له أولاده”، والعكس يتم – أيضًا – في بيت والدي الزوج، فيحرضونه على ترك أبناءه لزوجته ويقولون له اذهب للزواج، وفي تلك الحالة لا يريد الإنفاق على ابنه، وهنا يرى الطفل نفسه ناقصًا عن كل أقرانه ينقصه كيان الأب، والأهل يزيدوا من حالة الاتزان المفقود لدى الأبناء، فيحدث له خلخلة وهزة عنيفة في مشاعره فيحيا بازدواجية سائلًا نفسه: لماذا يرفضني الجميع ولم أفعل شيئًا؟!.. لماذا يزجوا بي إلى الشارع؟!
كما يرونه كأنه شيطانٌ صغير، وعلى النقيض تماما؛ يحتاج هذا الطفل إلى جو صحي يحتضنه لينمو سليم العقل قوي البنية.. ولكنه لا يرى الحنو في بيت الآباء ولا في بيت الأجداد..
نتائج مُحققة
وتستطرد عبد الله طرح آرائها، حيث تقول أن السنوات تمر ونجد الأجداد أو القائمين على تربية الأبناء، يقولون لأنفسهم- في استنكار تام- :أما نحن من أطعمنا وسقينا، لماذا كل هذا الجحود من هؤلاء الأبناء؟!.. ولكنهم تناسوا أنهم حرموا ذلك الطفل من الاحتواء والاحتضان.. إنهم لم يجدوا قلوبًا رحيمة.. فأنَّى لهم أن يعرفوا الرحمة!.. الكل يجلس له بالمرصاد كعقارب الساعة، ينتظرون منه أي خطأ، يتربصون به في كل خُطاه كأنه شيطان أو مارد من نار، ويتجاهلون براءته، يتعاملون مع الطفل كأنه بالغ رشيد، يتم عقابه على جهله بعدم التفريق بين الصحيح والخاطئ، رغم عدم خبرته.. إنه يُرفض من الجميع بالعين والتصرفات والإيماءات.. كل ما يفعله مرفوض!.
مساومة بغيضة
وتوضح خبيرة الإرشاد الأسرى، أنَّ أسوء ما يمر به أبناء المُنفصلين، هو لحظة زواج أحد والديهم، وتعنت زوج أمهم أو زوجة أبيهم أن يعيش معهم هؤلاء الأبناء، وإذا تم موافقة زوج الأب – على سبيل المثال – بمعيشة أبناء زوجته في بيته، يكون ذلك مقابل إذلالهم بأن يحيوا صامتين وكأنهم في سجن بقضية لم يرتكبها المُتهم، فيعاني من تلك الويلات.. وكذلك في حال زواج الأب، تقوم الزوجة بالنظر إلى هؤلاء الأبناء على أنهم أولاد عشيقة أبيهم، وتشتعل نار الغيرة في قلبها حارقة مُلتهمة كل ما حولها، فتذيق ذلك الطفل كل ألوان العذاب وتعامله كأنه ابن حرام، وإن كان كذلك لا يحق لهم أن يعاملوه بتلك الطريقة..
وتستنكر أستاذ علم النفس مدى الجرم والذنب الذي يوجه لذلك الطفل بأن يسمع كلمات مسمومة على مدار حياته، إنهم يقومون بصنع مرضى نفسيين يلقون كل العالم بالحجارة التي تحاكي قسوة قلوبهم، وأول من يُصوبون عليه سهامهم هم الأقارب، كنوع من أنواع التنفيس وتفريغ الطاقة. إن ذلك الطفل يصبح كائنًا جاحدًا يمشي على الأرض دونما قلب.. فاقد الحب والحماية والعطاء يجلد نفسه كأنه هو الذي فعل ذلك بأمه.
اضطرابات نفسية
وتوضح دكتورة إيمان من خلال النماذج التي تعالجها، أن هؤلاء الأبناء يكون لديهم الكثير من الاضطرابات النفسية، ورغم ذلك إذا قررت الأم الذهاب بهم إلى الإخصائيين النفسيين، يستنكر طليقها وزوجها الراهن والأجداد كل ما تفعله؛ ويتهمونها بأنها تدلل هؤلاء الأبناء.. ومن بين تلك الاعتلالات السلوكية والنفسية التي رصدتها أخصائية الإرشاد الأسرى فرط الحركة، وتشتت الانتباه والتبول اللا إرادي بجميع مراحله صباحي أو مسائي، مرورًا بالسيكوباتية والاكتئاب ومظاهره من خوف وهلع وقلق.