إثيوبيا ومشكلة التجانس العرقى.. سيناريوهات تطور الأزمة

أيمن غندور    تقرير يكتبه: د. أيمن غندور

 

أطلق الإغريق على إثيوبيا هذا الاسم و يقصد به السكان السود القاطنون جنوب مصر.
وتتميز إثيوبيا بالجبال الشاهقة والأودية السحيقة، وكثير من هضابها منعزل تماما عن بعضه البعض وإن اتصل بممرات ضيقة بين المنحدرات الكبيرة ، وقد لعبت الطبيعة المتقطعة لإثيوبيا دورا مهما فى تاريخها السياسى والاجتماعى والثقافى ، حيث كونت العقبات الطبيعية قوميات ومجتعات منعزلة عن بعضها البعض وخلقت نوعاً من الاستقلال النسبى لم يستطع القادة السياسيون التغلب عليه وتكوين وحدة سياسية حقيقية بين الأقاليم الإثيوبية .
وتنقسم إثيوبيا إلى تسعة أقاليم رئيسة هى : (تيجراي، عفر، أمهرة، أوروميا، أوغادين “الصومالي”، بني شنقول “قماز”، قوميات الأمم الجنوبية، جامبيلا، هراري)، إضافة إلى منطقتين حضريتين (أديس أبابا و ديرة داوا). ويشكل الأورومو 40% من السكان ، والأمهرة 27% والتيجرى 6% ، والسيدامو 9% ، والشانقيلا 6% ، والصوماليون 6% ، عفر 4% ، والجوراج 2% ، وغيرها 1% .
الأورومو: ويمثلون نسبة ما بين (34.4 ٪ إلى 40 %) من عدد السكان ، ويعتنق ما يزيد عن الـ70 % من شعب الأورومو للدين الإسلامي، بينما يعتنق حوالى 20 % منهم للدين المسيحي. وتتكون أورومو من 10 مقاطعات فرعية، من أشهرها إقليم “شوا” وإقليم “هرر”، وعاصمة الإقليم هى (فينفين). ويسكنون فى وسط أثيوبيا سكنا لها ، متمركزين في حوالي 600 الف كم مربع.
الأمهرا: يمثلون 27 ٪ من السكان، وهم السكان الاصليين ،حيث ترجع الأصول الأثيوبية إلى هذا العرق لمرجعهم إلى سام بن نوح كما يعتقدون . وأصبحوا بمرور الوقت الطبقة الحاكمة حيث حكموا البلاد لقرون طويلة. يتبع معظم الأمهريون الديانة المسيحية الأرثوذكسية التي تؤمن بالطبيعة الواحدة . تحولوا إلى المسيحية في القرن الرابع الميلادي وبقيت معتقداتهم دون تغيير منذ ذاك الحين. ويستعملون “اللغة الجعزية” في طقوسهم وهي لغة قديمة لم تعد تستخدم الا في الكنيسةعاصمة الإقليم هى “بحر الدار” ويتكون الإقليم من 10 مناطق إدارية ومنطقة خاصة واحدة، وتعتبرة الأمهرية هى اللغة الرسمية للدولة الإثيوبية، ولغة الجيش الإثيوبي.
التيجراي : يمثلون 6% من عدد السكان وتقع منطقتهم في شمال الدولة ويعتبر الإقليم هو الأغنى نسبيا بين الأقاليم التسع الأخرى رغم كونه أقلها سكانا ويعتبر الأقليم هو المنافس القوي والمنظم على الأرض حيث شكلت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أقوى أطراف الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لسنوات عدة .
القومية الصومالية : وتكاد تتساوى تماما مع أقليم تيجراي في العدد لتشكل أيضا ستة بالمائة من إجمالي عدد السكان وهي موزعة في أنحاء الدولة .

إثنيات وعرقيات

والتقسيمات الإثنية والعرقية واضحة تماماً فى الدستور الإثيوبى حيث تنص المادة (1) من الدستور الإثيوبى الصادر 8 ديسمبر سنة 1994 على أن إثيوبيا دولة فيدرالية ثم بينت المادة (47) أنها تتكون من تسعة أقاليم هى:
1) ولاية تيجري
2) ولاية عفار
3) ولاية أمهرة
4) ولاية أوروميا
5) ولاية الصومال
6) ولاية بن شنقول / جوموز
7) ولاية أمم وقوميات وشعوب الجنوب
8) ولاية شعوب غامبيلا
9) ولاية شعب هراري
ونصت الفقرة الثانية من المادة على حق الأمم والقوميات والشعوب داخل الولايات المذكورة في إنشاء دولهم في أي وقت.
وحرصت ديباجة الدستور النص على بيان تكوين إثيوبيا من أمم وقوميات وشعوب مختلفة ، لها الحق ، في الممارسة الكاملة والحرة لحق تقرير المصير، كما نصت المادة (39) صراحة على على أن لكل أمة وجنسية وشعب في إثيوبيا حق غير مشروط في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في الانفصال.
ولكل أمة وجنسية وشعب في إثيوبيا الحق في التحدث والكتابة وتطوير لغتها الخاصة ؛ للتعبير عن ثقافتها وتنميتها وتعزيزها ؛ وللحفاظ على تاريخها. ولكل أمة وجنسية وشعب في إثيوبيا الحق في قدر كامل من الحكم الذاتي الذي يشمل الحق في إنشاء مؤسسات الحكم في الإقليم الذي يقطنه والتمثيل العادل في حكومات الولايات والحكومات الفيدرالية.
و”الأمة أو الجنسية أو الشعب” عرفها الدستور بأنها : هي مجموعة من الأشخاص الذين لديهم أو يتشاركون قدرًا كبيرًا من الثقافة المشتركة أو العادات المماثلة ، أو الفهم المتبادل للغة، أو الإيمان بهويات مشتركة أو ذات صلة ، أو التركيبة النفسية الشائعة، والذين يسكنون منطقة محددة ومتجاورة في الغالب.

مجموعات من قوميات

ومن خلال ما سبق أن إثيوبيا ليست دولة موحدة حقيقة وأنما هى مجموعات من قوميات غير متجانسة على مر العصور ، وأبان عن هذه الطبيعة دستورها، كما أنه دارت بين مكوناتها الإثنية والعرقية حروب طاحنة من أجل الهيمنة والسيطرة حيث شَهِدَت الفترة الفوضوية المعروفة باسم (عصر الأمراء) الفترة من 1769 حتى 1855 من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، حيث سادت حَالَة تَشَرْذُمٍ سِياسيٍّ وتأزم وَحَرْبًا أهْليَّةً، وَفُقِدَت فيهَا السُّلطَة المَرْكزيَّة، وسادات النزعة الاستقلالية فى المقاطعات وتحولت من سلطة الملك إلى سلطات المقاطعات لإمراء حرب وأشراف محليين تنافسوا على السيادة وتوزعت السلطة بين النبلاء وبينهم حاكم حكام بيجميدر وجوجام وسيمين ، فكان الولاء للمقاطعة وليس الملك، فِي حِين انْقَرَضَتْ اللغة الجعزية بحلول القرن السابع عشر الميلادي، وَلَمْ تَتِمَّ كِتَابة السِجِّلات المَلَكية باللغات السَّامية الأمْهَرية إلا فِي عَهْد تيودروس الثاني الذي حَكَمَ بَيْنَ عامي 1855 – 1868 م.
وفى عام 1855 انتصر حاكم يى – مارو – كميس على رأس على زعيم الشوا وكرس نفسه لسحق ملوك تيجرى وسمى نفسه الامبراطور يوحَنس الرابع. كان يحمل لقب نيگوسا نگاست إثيوبيا، أي ملك ملوك إثيوبيا منذ سنة 1872 م وحتى وفاته في سنة 1889 م. ولقي يوحنس مصرعه أثناء قتاله مع أتباع خليفة المهدي، عبد الله التعايشي بقيادة الأمير الزاكي طمل، في معركة القلابات في 9 مارس 1889.

طالع المزيد:

وخلفه الإمبراطور مـِنـِليك الثاني المعروف سابقا بالأمير (ساهلى مريام) (17 أغسطس 1844- 12 ديسمبر 1913م)وقبل ذلك كان نگوس شوا (1866-1889) ثم نگوسا نگاست إثيوپيا من 1889 حتى وفاته. وحاول إدماج مجتمعات غير متجانسة بعد حروب عسكرية لإخضاع الأطراف . وعقب وفاته حدثت سلسلة من الصراعات على السلطة بين (ليددج ياسو) حفيد منليك وولى عهده ورأس تفارى وهو حاكم مقاطعة هررمنذ سنة 1904 ودارت عدة معارك بينهما وتم خلع ليدى ياسو سنة 1916 الاتفاق على تقسيم السلطة بين الامبراطورة زوديتو والوصى على العرش ورأس تفارى الذى أصبح فيما بعد الامبراطور (هيلا سياسى) هايله سـِلاسي أو حيلي ثلاثي ويعني اسمه (قوة الثالوث) اتخذ لنفسه لقب هيلا سيلاسي الأول ويعني ذلك باللغة الأمهرية قوة الثالوث، وفيما بعد أضفى على اسمه لقب «الأسد القاهر من سبط يهوذا المختار من الله ملك إثيوبيا». وهو آخر أباطرة إثيوپيا. وفي الستينات من القرن العشرين كثر عدد المعارضين لحكم الإمبراطور وطالبوا بمستوى معيشة أفضل وناهضوا الفساد الحكومي المتنامي، ساعدهم ما أصاب البلاد من جفاف وقحط ومجاعة عامي 1972-1973، اتهم الإمبراطور على أثرها بتجاهل هذه الأزمة الخانقة وتحركت مجموعة من العسكريين بقيادة (منجستو هيلا مريام Mengistu Haile Mariam) وأبعدت هيلا سيلاسي عن الحكم عام 1974.وانتهى حكمه عام 1974، عندما خلعه القادة العسكريون وأنشأوا حكومة مؤقتة.

سقوط الدولة

مع سقوط الدولة في يد الشيوعيين عام 1974 ضاعف الضغط النفسي على السكان وأولهم أقليم تيجراي ليعتبر ذلك محركا قويا في بدء حركات التحرر من هذا الشيوعية والذي ضاعف من حلم اقليم التيجراي للحرية وشكل التيجراى مع الأمهرة – الأورومو تحالف ” الجبهة القومية الديمقراطية الشعبية الأثيوبية ” في عام 1987 ويمارس أول تحركاته على الأرض ليضم مكونات عدة من الأمهرة والأورومو والحركة الشعبية الأثيوبية . وتمت الإطاحة بحكومة منغستو في النهاية على يد مسئوليه أنفسهم مع ائتلاف من قوات الثوار، الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (EPRDF) في عام 1991 بعد نجاح هجمتهم على العاصمة أديس أبابا. وقد كان هناك بعض الخوف من قتال منغستو حتى النهاية دفاعاً عن العاصمة، ولكن بعد التدخل الدبلوماسي من قبل الولايات المتحدة، فر منجنستو طالباً حق اللجوء السياسي إلى زيمبابوي.
ونال التيجراى ما أرادوا حيث فاز (مييليس زيناوي) المولود في مايو 1955 م في “ادوا” داحرة الإيطاليين برئاسة الوزراء وهو أول رئيس وزراء من التيجراي بعد وصول الجبهة الشعبية المتحالفة للحكم وظل حتى حتى وفاته في عام 2012.
في عام 2018 وبمجرد وصول أبي أحمد والذي يرجع نسبه إلى إقليم (الأورومو) إلى رئاسة الوزراء؛ اتخذ التيجراي هدفا أساسيا له آخذا على عاتقه حل الجبهة الشعبية المتحالفة أولا ، ثم أسس بعدها الحزب الحاكم فيما يسمى بحزب (الإازدهار) خلفا للجبهة، ورأت الجبهة أن خططه الإصلاحية تستهدف قياداتها ورموزها.وعلى إثر ذلك ارتفعت وتيرة الخلاف عندما أقدمت تحرير تجراى، على إجراء انتخابات بشكل منفرد، رغم قرار الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات العامة فى البلاد بسبب جائحة كورونا.

عمليات القتال

اندلع القتال فى نوفمبر 2020 بين قوات من حكومة إقليم تيجراى والحكومة الفيدرالية (الجيش الأثيوبى)، بعد أن شنت القوات التى يتزعمها رئيس الوزراء آبى أحمد الحرب على الاقليم، واستولت قوات الدفاع الوطنى الإثيوبية الحكومية بسرعة على العديد من المدن الرئيسية فى تيجراى، بما فى ذلك ميكيلى العاصمة. وعقب ذلك أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى انتهاء المرحلة الرئيسة من الصراع، لكن سرعان ما نجحت الجبهة فى دحر قوات الجيش الإثيوبى ودخول عاصمة الإقليم وعقب سيطرتها على الإقليم، استعرضت قوات إقليم تيجراى، آلاف الأسرى من الجيش الإثيوبى على شاشات التليفزيون واستمرت فى القتال واحتلال المدينة تلوا الآخرى حتى أصبحت على مشارف العاصمة أديس أبابا.
وفى هذا الشهر وقعت 9 جماعات إثيوبية وفي واشنطن، على اتفاق لإنشاء تحالف جديد مناهض لحكومة أبي أحمد يهدف إلي فترة انتقال سياسي بعد عام من الحرب المدمرة. ويضم التحالف الجديد المسمى (الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية) كل من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وجيش تحرير أورومو و7 مجموعات أخرى من جميع أنحاء البلاد.

سيناريوهات الأزمة

1 – دخول القوات المتحالفة بقيادة التيجراى إلى العاصمة أديس أبابا واسقاط نظام الحكم وتشكيل مجلس حاكم من الجبهة مع تحديد فترة انتقالية يتم خلالها الاتفاق على كتابة دستور جديد لتغيير شكل الدولة لتكون دولة كونفيدرالية ، أو الإبقاء على شكل الدولة والدستور وعمل استفتاءات طبقا للمادة 47 من الدستور لانفصال الاقاليم التى ترغب فى الاستقلال وتقسيم أثسوبيا إلى 8 دويلات حسب التقسيم العرقى والإثنى والمناطقى .
2 – عدم تمكن التحالف من الاستيلاء على أديس أبابا وبقاء أبى أحمد على رأس السلطة وإعلان إقليم التيجراى والأورومو وغيرهما الانفصال عن إثيوبيا وتكوين دول جديدة .
3 – قيام الجيش بانقلاب على أبى أحمد وإجراء مفاوضات لمرحلة انتقالية .

زر الذهاب إلى الأعلى