تعقيبا على كلام الإمام الطيب.. سفر المرأة دون محرم بين القاعدة والاستثناء

كتبت: أسماء خليل


جاءت تصريحات الأمام الأكبر شيخ الأزهر، فضيلة الدكتور أحمد الطيب، التى أدلى بها حديثا، على قناة “اليوتيوب” الخاصة به وحملت اجتهادت فقهية ممثلة فى بعض الفتاوى الهامة الخاضعة للتوصيف الشرعي والاجتهاد الفقهي، لتثير جدلا فى أوساط الرأي العام، ووسائل التواصل الاجتماعى، وكان من أبرز هذه الاجتهادات ما يخص المرأة.

يهمك.. الأزهري يدعو المسلمين من شتى بقاع الأرض بالتوافد إلى المسجد الأقصى لحمايته
وكان من بين تلك التصريحات : أنه يجوز للمرأة تولي الوظائف العليا والقضاء والإفتاء، كما يجوز للمرأة السفر بدون محرم متى كان السفر آمنا، والطلاق التعسفي بغير سبب حرام وجريمة أخلاقية، لا وجود لبيت الطاعة بالإسلام، ولا يحق للولي منع تزويج المرأة بكفء تراه دون سبب مقبول، وللمرأة أن تحدد لها نصيبًا من ثروة زوجها إذا أسهمت في تنميتها.
وقد أثارت تلك الفتاوى جدلا واسعا بين كل فئات المجتمع على اختلاف ثقافتهم معبرين عن ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي البداية، إذا تأملنا قليلًا سنجد أن المجتمع في تلك الحقبة الزمنية لا يُسلم جدلًا بكل ما يسمع دون أن يمرره على العقل، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على التعبيرعن ذلك والدليل هذا العدد الهائل من التعليقات التي تعقب إصدار بعض التصريحات أو القرارات، والتي تنم عن إعمال الفِكَر.
وفي الحقيقة هناك ما يدعو للانتباه، إذ أن الأصل في الأحكام الفقهية أن تُبنى على القاعدة ثم يكون لها استثناءات، ولكن المُلفت حقًا في هذه الآونة أن بعض العلماء حينما يُصدر حكما فقهيا يستند إلى الاستثناءات المُنبثقة من القاعدة!
وأيضًا إذا استوقفتنا تلك التصريحات، فسنجد على سبيل المثال تصريح الدكتور أحمد الطيب بجواز سفر المرأة بدون محرم متى تواجدت الرفقة الآمنة، فمثل هذا التصريح في ذلك التوقيت الزمني سيتم تفسيره بشكل غير منضبط؛ إذ أن العامة لهم فهمًا توقيفيًا، فمتى يجدون تلك الفتوى سيتساهلون في أمر سفر المرأة منفردة، وسيعتقدون بجواز سفر المرأة وحدها بشكل مطلق، وكذلك الرفقة الآمنة مصطلح واسع التفسير، فمن هي الرفقة الآمنة؟!
إن كل حكم شرعي له علة، فإذا تساءلنا على سبيل المثال : لماذا حرم الله تعالى سفر المرأة بدون محرم، وما إسناد ذلك الكلام؟
إن المُتحدثين بتحريم سفر المرأة مُنفردة يستندون إلى حديث أبي هريرة – رضي الله عنه (لا يَحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو مَحرم)، فسنجد أن الأصل في تلك القاعدة الفقهية هو التحريم، والاستثناء هو أن يكون السفر برفقة آمنة.
إن تحريم سفر المرأة بدون محرم ليس علَّته عدم المساواة بين الرجل والمرأة، إذ أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق، وإذا كان الرجل يتميز بالقوامة فذلك لأنه يكد ويكدح من أجل رعاية المرأة والأسرة.. إن علة التحريم هنا هي عدم تواجد الأمان، الذي بانتفائه يكون سفر المرأة بدون محرم حرام شرعًا.
إن الدكتور الطيب يطرح قضية توافرعنصر الأمن في سفر المرأة، إذ أن هناك من يقول إن التحريم كانت علته في وسائل المواصلات سابقًا إذا ما تمَّ مقارنتها بوسائل المواصلات حاليًا، ففي سابق الأزمنة ربما كانت المرأة تستقل ناقة أثناء سفرها وهذا من شأنه زيادة الفترة الزمنية اللازمة لوصولها إلى مُستقرها وربما اقتطع طريقها قُطَّاع الطرق.
ونحن على يقين أن النصوص الدينية تتناسب وكل آوان ومكان، حيث أن المعادلة واحدة.. فهل في زمن الفتن أمان لسفر المرأة منفردة سواءًا استقلت سيارة أو باخرة أو طائرة وغشَّاها الليل بظلمته؟! .. تلك المرأة التي تحتاج إلى من يحميها وذلك بسبب كونها أنثى رقيقة أقل قوامة من الرجل، مطمع إذا كانت بمفردها للسرقة للاغتصاب للتحرش والتعدي عليها ولو بالقهر اللفظي.
أين الرفقة الآمنة لفتاة ستسافر بعيدًا عن أهلها ونحن بزمنٍ أصبح المرء لا يأمن أن يخونه أعز أصدقائه ؟!
إن تحريم بعض الأشياء على المرأة ليس للتضييق عليها؛ بل لحفظها وحفظ كرامتها ودينها، فالإسلام ليس ذكوريا، كما يدعى البعض، فارتحال الرجل يكون حرامًا أيضًا في بعض المواقف؛ إذا كان سيتعرض للتهلكة، وصلاة الجماعة تسقط عن الرجل إذا خاف أن يصلي خارج البيت بسبب عدو أو سبع ضارٍ..إذن فأي شيء على حساب الأمان يخفف به الشرع الأحكام، فالإسلام يبحث عن أمان الإنسان وليس المرأة فقط.
ونجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يتحدث عن زمان سترتحل فيه المرأة بكل أمان ولا يتعرض لها أحد بسوء، فقد روى البخاري عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (فإن طالت بك حياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله).. فهل زماننا هذا هو الزمان الذي يتحدث عنه النبي؟!
هل ما نراه من سوء سلوك لدى الكثيرين وتردي أخلاق والبحث عن الملذات والشهوات وجور البعض على الدين والقيم من سمات ذلك الزمان؟!
إنَّ الإسلام كفل للمرأة أحكامًا كثيرة من شأنها الارتقاء بها ووصف النساء بالقوارير الرقيقة الشفافة التي لابد من حمايتها، حتى لا تنكسر، فعلى الجميع عدم المساس بتلك الأحكام إلَّا بالتوضيح التام والتأكيد على أولوية تطبيقها.

زر الذهاب إلى الأعلى