عاطف عبد الغنى يكتب: الكتابة خارج الصندوق (2) محمد جورج ليس هو الحل !

كتبت هذا الكلام قبل انفجار الربيع العربى بسنوات وجزء منه جاء فى كتاب يحمل عنوان:«عولمة الدين» والكتاب صدر أيضا قبل الربيع المحمل برياح مسمومة قادمة من الغرب.
لم أقرأ الغيب ولكن كان لدى كم هائل من الأوراق التى تشير إلى أن المخطط دخل مرحلة التفجير معتمدا بشكل أساسى على إثارة الفتن الدينية والعرقية والإثنية.

(1)

كنت مثل كثيرين ننتظر انتفاضة العشوائيات والمهمشين أكثر فئات المجتمع المصرى تضررا قبل 25 يناير 2011 فأدهشنا إلى حد البهجة أن مفجرى الثورة هم مجموعات من الشباب من أطياف مختلفة يمين ويسار ومنها غير المصنف، انضم إليها على الفور الأغلبية الساحقة من الشعب، وبعد أن زالت الدهشة، وبعد قليل من الوقت واتضاح الصورة، داهمتنا دهشة أخرى لكنها هذه المرة كانت محزنة، أن بين هؤلاء الثوار الشبان جيلا لا يكره أمريكا وإسرائيل.. وأن هذا الجيل تغذيه رموز تؤمن بحضارة الغرب وتفوق الغرب وسيادة الغرب، جيل مسحور يتحدث عن وطنه بلغة اعتذارية، ويبدى أكثر من القبول بالتطبيع مع الكيان الصهيونى، ويسخر من الذين يرفضونه أو يقاومونه ويصفونهم بالحنجوريين والظاهرة الصوتية، ليس هذا فقط لكن يرفض هذا الشباب ورموزه من الشيوخ والكهول من يتعرض بالنقد للتجربة الرأسمالية الحضارية وليبراليتها الجديدة وعنوانها أمريكا وأوروبا، ويعمى عمدا عن رؤية هذه الحضارة لأديان السماء (مسيحية الشرق والإسلام تحديدا) والدفع الكبير نحو إسقاط هاتين العقيدتين من عليائهما والعمل على محوهما من صدور المؤمنين بهما خدمة للمشروع الإمبريالى العالمى والكيان الصهيونى. وإدراكا من المهيمنين على هذا المشروع – وأبرزهم الآن تيار المحافظين الجدد المسيطر على مراكز صناعة القرار فى أمريكا وأوروبا – أن عقيدتى الإسلام ومسيحية الشرق تقفان حجر عثرة فى طريق مخططاتهم.
ولعل هذا يفسر وجود مئات المؤسسات الرسمية والمدنية وآلاف الأفراد والأموال الطائلة التى تنفق والمؤتمرات والاجتماعات والنشرات والمواقع الالكترونية وغير ذلك من نشاطات كلها موجهة لأجل هدف محدد هو تفكيك أديان السماء، نكرر الإسلام ومسيحية الشرق تحديدا واستبدالهما بعقيدة ملفقة، أو بالروحانيات التى هى أقرب لطقوس السحرة والبهلوانات، والقادم شارح أكثر.

(2)

وكتبت سابقا عن العقيدة التى تطرحها العولمة بديلا عن عقائد السماء أو تلك العقائد التى تنزّل على رسلها كتب سماوية، وهذه العقائد يطلق عليها أيضا الديانات الإبراهيمية نسبة إلى إبراهيم أبو الأنبياء موسى وعيسى ومحمد عليه وعليهم جميعا السلام.. من نسل إبراهيم جاءوا، موسى بشّر بالديانة الموسوية التى تحولت فيما بعد إلى اليهودية، وعيسى بشر بالمسيحية ومحمد بالإسلام، وقد يقول قائل: كلنا نعرف هذا.. حسنا.. هل انتبهت إلى أن العقيدة اليهودية لا تقبل أن يدخل أحد فيها من غير نسل إسرائيل؟!.. فهل يمكن أن يرسل الله هداية للبشر ويأمر أن تقتصر على نسل شخص واحد من عبيده (إسرائيل) حتى ولو كان نبيا دون آخرين؟.. لهم دينهم ولى دين.. ليس هذا مربط الفرس، ولكن مربطه هو أن أنبهكم أن اليهود يعتبرون عقيدتهم أعرق وجنسية تجمعهم قبل أن تكون عقيدة دينية أو قيمية.. بالطبع المسألة مثل مسائل كثيرة يهودية فيها استثناءات تسمح بقبول المتهودين بشروط، أيضا هذا ليس مربط فرسنا، ولكن مربطه هو الدين العالمى الذى يبشر به النظام العالمى الجديد وأنشأ من أجله العديد من المنظمات التى اشتغلت على فكرة توحيد الأديان السماوية والأرضية وعقائد الهند والصين وحتى العقائد البدائية لبعض القبائل المحلية فى أفريقيا لأجل الخروج بدين عالمى جديد حيث يرددون أقوالاً مثل: إن الأديان جميعها ليست إلا طرقًا مختلفة توصل إلى نهاية واحدة يسميها المسلمون: الله، ويسميها المسيحيون: الرب، ويسميها الهندوس: كريشنا، ويسميها دعاة النظام الجديد تجنيًا للانحياز تسمية تلفيقية فيطلقون على هذه الخديعة أو هذا الدين الجديد: (دين القوة السامية المطلقة)، إن هذه العقيدة والأفكار تلقى رواجًا كبيرًا فى الغرب ويقف وراءها كثيرون من الرعاة والداعمين ومنها هذه المؤسسة التى تحمل اسم: «البحث عن أرضية مشتركة» Search For Common Ground وعلى شبكة الإنترنت يمكنك أن تقرأ عن بروتوكولات واتفاقيات تعقدها هذه المؤسسة مع حكومات، تعمل فى الأرض المحتلة فى فلسطين وتعمل أيضا فى الجانب الإسرائيلى وفى كثير من مناطق النزاع فى أفريقيا، ولها ذراع إعلامى قوى وشركة إنتاج مولت فى مصر قبل الثورة إنتاج مسلسل درامى يركز بشكل مبالغ فيه على الفتنة الطائفية بدعوى رصدها وهى فى الحقيقة تسكب مزيدا من الزيت على النيران، هذا غير الأفلام التسجيلية وتمويلها لإنتاج برامج ثقافية واجتماعية ترفع شعار الوسائل البديلة لحل المنازعات، وأهم مما سبق أنه كان لها دور كبير فى تفكيك الاتحاد السوفيتى السابق، وفيما يخص موضوعنا تحديدا فإن هذه المؤسسة داعمة وراعية لمبادرات وبرامج توحيد الأديان ونشاطها يمتد إلى تهيئة برامج تدريبية لرجال الدين وفلسفة علم التنبؤ الروحى (Spiritual Ecologe)، حيث تروج هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات المناظرة أن الدين هو اهتمام بالعلاقة بين الإنسان ومصدره الروحى (Spiritual Origin) وأن كل الأديان تشترك فيما بينها بنفس الحكمة ذات المصدر الواحد على الرغم من التعتيم الذى تسببه الفروقات فى الممارسة.

(3)

ومثل هذا العمل الذى انتج فى الغرب ثمرات شاذة مثل اتفاق عدد من المؤسسات والأفراد على وضع دستور الأديان المتحدة عام 1999 برعاية مؤسسات عولمية وكنائس غربية وشخصيات دينية عالمية تدعم هذا التوجه مثل الدلاى لاما زعيم التبت الذى يسانده الغرب بقوة ويساند بلاده ضد الصين .

اقرأ أيضا للكاتب:

وأهم ما جاء فى دستور الأديان المتحدة أن الموقعين عليه قد توصلوا إلى أمر مشترك وهو الإيمان بإله واحد لكل الأديان (لم يسمه الدستور، ولم يحدد صفات هذا الإله أو مواصفاته)، ودعا الدستور أيضًا إلى قدسية الحياة ووضع فى أوائل اهتماماتها الحرية الدينية بمعنى ترويج الكفر وليس إرادة الاختيار بينه وبين الإيمان بالله، ودعا دستور الأديان المتحدة إلى خلق بيئة تنظيمية تساهم فى إيصال الصوت المعنوى لمجموعة الأديان.

كما أن هذا الدستور وضع ضمن اهتماماته الاقتصاد العالمى ومشاكل البيئة، وركّز على أن أساس هذه المشاكل روحاني (!!) ودعا أيضًا إلى إيجاد أعياد واحتفالات لانقلاب الشمس وفصلى الاعتدال (الخريف والربيع)، إضافة إلى أعياد الأرض الطبيعية.
وهكذا يخالف هذا الدستور الذى تم توقيعه فى الغرب تاريخ الكنيسة المسيحية التي سعت عبر تاريخها إلى استبدال هذه الأعياد التى تتعلق بالطبيعة بأعياد كنسية، وذلك لأن أعياد الطبيعة ارتبطت تاريخيًا بالعبادات الوثنية.
وفى السياق ذاته دعا هذا الدستور – أو الشرعة – إلى تهيئة برامج تدريبية لرجال الدين وفلسفة علم التنبؤ الروحى (Spiritual Ecologe)، لأن بنظرهم أن الدين هو اهتمام بالعلاقة بين الإنسان ومصدره الروحي (Spiritual Origin)، وأن كل الأديان تشترك فيما بينها بنفس الحكمة ذات المصدر الواحد على الرغم من التعتيم الذي تسببه الفروقات فى الممارسة.
وختم هذا الدستور مواده بالدعوة إلى قبول لاهوت مشترك أو لاهوت مقبول (Theology of Acceptance) يساعد على اكتشاف الأرضية المشتركة وإلى إيجاد برامج للدراسات العليا ومنح الدرجات العلمية (غالبًا في الروحانية وفلسفاتها والوحدة بين الأديان)، مما يفتح الباب للدراسة الجدية التي تعنى بالسلام والعدالة.

(4)

هل نقول مثل جحا عندما حذره الناس من نار قريبة: النار لم تصل بيتى، وظل يهرب من مقاومة النار حتى أمسكت بذيل ثيابه.. لا.. لن نقول لأن عمل مؤسسة البحث عن أرضية مشتركة أمسك بذيل ثيابنا، بالفعل عملت المؤسسة فى بلدان الشرق الأوسط ونشطت فى أمريكا بين الجاليات العربية وهناك الآن المسلمون والمسيحيون من يؤمن بفكرة توحيد الأديان ويسمى نفسه محمد جورج، لأنه اقتنع أنه يمكن أن يكون مسلما ومسيحيا وهندوسيا فى نفس الوقت، وأنه بهذا يكون أكثر إنسانية وأكثر محبة للسلام العالمى.. تخيل واسأل نفسك إلى أن نلتقى الأسبوع القادم: هل يمكن أن يكون هذا هو الحل لقبول الآخر؟

…………………………………………………………………………………………………………………………………………

هذا المقال نُشر في مجلة “أكتوبر” بتاريخ: 02 – 12 – 2012 تحت عنوان: “الكتابة خارج الصندوق محمد جورج ليس هو الحل!

 

زر الذهاب إلى الأعلى