أحمد عاطف آدم يكتب: زواج الأطفال وملوك الجدعنة
يعتقد معظم الناس أن ظاهرة زواج الأطفال أقل من ١٨ عاما قد اندثرت ولم يعد لها وجودٌ يذكر بعد التطور الكبير الذى صاحب تعدد وتنوع النوافذ الاتصالية، مثل القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات، التي توفرها الشبكة العنكبوتية، لعرض مواد ثقافية ودرامية من المفترض أن لها دورًا توعويًا واضحًا.
لكن الحقيقة مع الأسف الشديد غير ذلك، فلازالت تلك العادة المدمرة تضرب بجذورها في قلوب وعقول من تسول لهم أنفسهم بيع فلذات أكبادهم لمن يدفع، أو بدافع آخر وهو السعادة الوهمية فى سترة الإناث الصغار المغلوبات على أمرهن وإنجابهن السريع لأطفال يتوارثوا ويُورثوا تلك العادة جيلًا بعد جيل.
منذ بضعة أيام وتحديدا خلال عيد الفطر المبارك تلقت الإدارة العامة لنجدة الطفل على خطها الساخن ١٦٠٠٠ – وهي تابعة للمجلس القومي للطفولة والأمومة – خمسة بلاغات عن وقائع مؤسفة لزواج أطفال إناث تتراوح أعمارهن بين ١٥ و ١٧ سنة.
الحالة الأولي كانت لطفلة لم تتجاوز ١٥ عامًا تقيم بمدينة المحلة الكبرى شرعت والدتها في إتمام زواجها أول أيام العيد، قبل تعهدها أمام اللجنة العامة لحماية الطفولة بمحافظة الغربية بعدم إتمام إجراءات الزواج إلا بعد بلوغ طفلتها السن القانونية.
والحالة الثانية كانت فى نفس المدينة حيث أبلغت الجدة للأب عن شروع والدة حفيدتها البالغة ١٦ عامًا في إتمام زواج الأخيرة، وبعد استدعاء الأم وشقيقها، وتقديم جلسة مشورة أسرية لتوعيتهم بأضرار ومخاطر زواج الأطفال، وقعّا على تعهد بعدم حدوث الزواج، لكن بعد متابعتهم تبين إصرار والدة الطفلة على إتمام إجراءات الزفاف ثاني أيام عيد الفطر المبارك، لتباشر نيابة مركز المحلة الكبرى إجراءاتها باستدعاء الأم مرة أخري واجبارها علي توقيع إقرار بعدم إتمام زواج ابنتها قبل بلوغها السن القانونية.
الملفت هو أن الرصد الأخير لتلك الحالات كان معظمه من دلتا مصر، وليس من صعيدها، عكس اتجاه العادة، وبواقع ٣ حالات من محافظة الغربية وحالتين من محافظة المنيا، وهو مؤشر غير جيد علي الإطلاق لا يبشر بسرعة القضاء على تلك الظاهرة، المسببة لكوارث اجتماعية وصدمات إنسانية، يعاني بسببها أطفالًا لا ذنب لهم، يخوضون تجارب لا تناسبهم في هذا السن، ثم نشكو من فشل معظم تلك الزيجات وتعدد حالات الطلاق.
ومما لا شك فيه أن المنابر الحكومية مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة، لا تكفي وحدها للقضاء علي تلك الظاهرة شيئا فشيء، بل يجب أن تقوم القنوات الفضائية بدور “ملوك الجدعنة” في التوعية، من خلال برامج تلفزيونية مخصصة لهذا الغرض، كحملات ممتدة تصل لريف وصعيد مصر لتساعد مع المنابر التابعة لوزاتي التضامن والثقافة وغيرها.
وعلي أصحاب تلك القنوات أن تعي بأن درامتهم المنقولة علي شاشاتهم الفضية أصبحت لا تزيد الطين إلا بلة، وأن سعيهم لا مشكور ولا محمود إلا قليلًا.