أسماء خليل تكتب: “أدرعي”.. والحقيقة المُعاكسة
حينما رأت إسرائيل أن العالم بأسره كشعوب مدنية تئن وتتعاطف بشكل يومي لصور أشلاء ممزقة لبنى بشر عاديين كانوا يعيشون بالحياة وينعمون ويريدون أن يحيوا في سلام ومحبة، بالإضافة إلى صور لأطفال عزَّل وقد خضبهم لون الدم بحمرتهِ وهم يُزفُّون إلى السماء؛ فأرادت أن تُحسن صورتها أمام العالم ببوقٍ إعلامي يراه الجميع بشكل يومي وهو يعكس الصورة مُحاولًا قلب الحقائق وهو الماثل في قفص الاتهام مدافعًا وكأنه المجني عليه والضحية، وكأن الشعب الفلسطيني هو الجاني.
لقد أرادت السلطات الإسرائيلية أن تحسن صورة بلدهم المعتدي، بل والأكثر من ذلك بأن تحاول تغيير الصورة تماما، وليس هناك أروع من رجل يتحدث العربية ويجيدها مثل العبرية؛ كي يستطيع التأثير على الشباب العربي بإعادة تصوير المشاهد من وجهة نظر بلاده وبلورة ذلك على أرض الواقع في صورة تغريدات على تويتر، ورسائل يومية على صفحةٍ موجهةٍ للعرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي،،
هذا الرجل الذي اتخذته إسرائيل للقيام بتلك المهمة هو شخص يدعى “أفيخاي أدرعي”، مقدم في الجيش الإسرائيلي، وشغل منصب الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي، حيث كان خير بوق ينطق باسم بلاده منذ تغطيته لأحداث حرب لبنان للعام ٢٠٠٦عبر قنوات فضائية عربية، ويتميز اسوبه بالمواجهة والتلوين الحواري والتراشق الكلامي حيثما شاء،،
إنه المُبرر لكل العمليات الإرهابية التى تقوم بها بلاده عبر وسائل التواصل الاجتماعي على حساباته الرسمية.. لم يكن استقطابه لأكثر من مليون متابع حبًّا في شخصه؛ بل كنوعٍ من أنواع حب الاستطلاع والسخرية مما يقول ويكتب بشكل يومي؛ ليس كما يعتقد هو لأهميته أو لتعمده استخدام كلمات إسلامية وعبارات شعبية وفيديوهات يقوم بتصورها مع جنود وعرب مسلمين ظنًّا منه أنه بذلك يجتذب العرب المسلمين.. إن الاستفزاز الذي يقوم به ذلك الرجل ليس إلا مجالا للاستهزاء والاستهجان من قبل المجتمع العربي..
إنه يتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي كل يوم ويدَّعي بكل فخر، أن جيشه يقضى على خلايا تابعة لحماس على حد قوله بما يتضمن ذلك من قتل الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين، فتُراه في إحدى تغريداته يذكر على سبيل المثال أنه تم القضاء على مالا يقل عن ١٦٠ ناشطًا إرهابيًا من حماس والجهاد الإسلامي، على حد مزاعمه، ويؤكد أنه سيواصل إرهابه المُتعمد بقوله أنه سيصطاد الإرهابيين في كل مكان فوق الأرض وتحت الأرض وهم مرعوبين.
ويستنكر الرجل بشكل يدعو للعجب الأفعال التي ينسبها لفلسطين، فهو يستبدل الأدوار مانحًا نفسه دور الضحية، فنراه يقول بتغريدة أخرى، مُشيرًا إلى صاروخ من حماس يسقط على القطاع : “هذه حقيقة ما يحصل في غزة! صاروخ حمساوي يسقط في القطاع مباشرة على الهواء على شاشة الجزيرة، ولازلتم تتساءلون كيف يقتل أهل غزة؟”، ثم يدعي أن هذا هو وجه الإرهاب الحقيقي العبثي.. والأكثر غرابة في ذلك أنه يشهد الله أنه قد بلغ، بقوله “اللهم اشهد أني بلغت”!!! ..بسم الله الرحمن الرحيم ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ” الآية ٢٠٤ سورة البقرة.
وتُراهُ في تغريدة يدعي أن حماس تقدم المشاريع الإرهابية- على حد رؤيته العقيمة – على حساب مصالح السكان الآمنين في غزة ببناء نفق يتكلف خمسمائة آلاف من الدولارات، ناقدًا حماس ببناء مدارس ومصانع ومستشفيات بتلك الأموال؛ كي يهدمها جيشه.. إنه يستمتع بالادعاءات الكاذبة، بل ويتفنن في إجادتها يومًا بعد يوم.
وعلى جميع الشباب إدراك ما يحدث من محاولة تغييبهم عن الحقيقة بالقيام باختلال بعض المفاهيم والرواسخ الفكرية لديهم، وذلك لأن منهم مَن يعانون في بعض الدول العربية حرمانًا من فرص العمل ومقومات الحياة البسيطة وكذلك الحق في التعبير عن الرأي بحرية وأمان، وكذلك عدم محاولتهم فهم الأمور فهما حقيقيًا، فربما ينساق البعض لتلك الخطابات الموجهة لتحقق ذلك الغرض باستهدافها عقول الشباب.
إنَّ الذين يأووا أوكار الإرهاب ويقومون بالأعمال التخريبية ويحاولون إثبات الحقيقة المُعاكسة ويلقون القذائف ويصنعون الغارات ويرتكبون أعمالًا همجية عبثية؛ معروفون في كل زمان ومكان ولا أحد بحاجة لأن يشير إليهم، فكفى عليهم أعين العالم تصيبهم بسهام الاتهام.