عاطف عبد الغنى يكتب: على العرب أن يطرقوا – الآن – على الحديد
لم تهدأ جفون الفلسطينيين، ولم يخلدوا إلى النوم منذ انطلق العدوان الإسرائيلى على القطاع قبل 11 يوما، كانوا مرغمين على اليقظة طيلة 11 ليلة.. وليلة أمس الـ 12 سهروا حسب مزاجهم، يحتفلون بالنصر فى المعركة التى اسموها “سيف القدس”، وانتصروا فيها على إسرائيل، وإجبروها على قبول الهدنة، ووقف إطلاق النار، ولا تثريب على أهل غزة الجبارين، وباقى أهلنا الشجعان فى فلسطين.
سهروا طول الليل، وعندما أشرقت شمس الصباح، عطلوا فرحتهم وشرعوا يبحثون فى أنقاض المبانى التى تهدمت فى المدينة، لعلهم يعثرون عن أحياء ينقذونهم، أو جثث يدفنوها، حدث هذا اليوم الجمعة 21 من شهر مايو الحزين (شهر النكبة) الذى شهد يوم 14 منه، عام 1948 إعلان دولة إسرائيل، ليبدأ مع هذا التاريخ، تاريخ أخر يمكن وصفه بالمأساة الممتدة، والصراع الدامى، ومدته ثلاثة أرباع القرن.
ومسرح هذا التاريخ ليس فلسطين فقط، ولكن يشمل أيضا المنطقة العربية، وبالأخص دول المواجهة، مصر وسوريا والأردن، 73 عاما لم يهنأ فيها طرفا الصراع بالراحة، ولا الرضا بما يحققوه، مع الفارق إن الطرف المعتدى منذ البداية، وعلى الدوام، وهو إسرائيل، يريد أن يزيد ما سلبه من أملاك، وحقوق الطرف المعتدى عليه، بالقهر، أو بالخديعة التى يسميها السلام، وهو سلام مجانى، أهم آلياته التطبيع الذى يسمح للعدو باختراق المجتمعات والشعوب العربية، وتدجين إراداتها، وزرع البلبلة فى مخها الجمعى، لتغيير مفاهيمها، والوصول إلى قبولهم على صورتهم الحالية، وبعد الاختراق، والتسلل الذئبى يسلب العدو المتخفى فى إهاب الصديق ما يستطيع سلبه من خيرات المطبعين المادية، ويسلب – أيضا- خيريتهم الروحانية، وقيمهم الدينية تطبيقا لنظرية “الإفساد للسيطرة”، وهى نظرية معروفة لكننى احتفظ بالتعبير لنفسى.
احتفل الفلسطينيون فى قطاع غزة على الرغم من أن ضربات قوات الاحتلال الإسرائيلي للقطاع قتلت أكثر من مائتى فلسطينى، وجرحت أكثر من ألف، وهدمت عشرات المبانى، والبنى التحتية، ودمرتالبنى التحتية لأكثر من 33 مؤسسة إعلامية، وعطلت أرزاق الناس فى القطاع المحاصر المنكوب بحرب إسرائيل، منذ وصول حركة حماس لحكمه عام 2006 أى قبل 16 عاما.
ولعلك تسأل – بعد ذلك – ما هو الإنجاز الذى حققه الفلسطينيون، وأهم المكاسب التى حققوها؟!.. وأجيبك: أن أهم ما حققه الفلسطنيون يتمثل فى الآتى:
- توحيد إرادة الشعب الفلسطيني.
- إجبار إسرائيل على إعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد، ودون شروط، ولم يكن هذا يحدث من قبل.
- العودة إلى توحيد الصفوف، عند إعلان خيار المقاومة المسلحة واجتماع فلسطينيو الضفة والقدس وقطاع غزة فى خط دفاع واحد.
- التغيير النوعى فى مثل هذه المواجهات، وزيادة القدرات التسليحية للمقاومة الفلسطينية، وقدرتها على الوصول إلى أهداف استيراتيجية فى العمق، مثل المطارات الإسرائيلية، وصحيح أن الدفاعات الإسرائيلية تصدت للصواريخ المقاومة، لكن هناك من أفلت منها، وهدد أهالى إسرائيل، والقادم بالنسبة لإسرائيل أسوأ.
- انعدام سيطرة إسرائيل على مناطق الداخل، بحيث يكون فلسطينيو 48 خصوصًا فى مدن اللد، وأم الفحم اللتان مثلتا رأس الحربة في المواجهة، وفى أى مواجهات قادمة، كما يتمنى الفلسطنيون أنفسهم.
وهناك مكاسب أخرى، منها مثلا تحويل “إسرائيل” من قوّة هجومية كان قرار الحرب بيدها إلى مجرد “كيان” يحتاج إلى إعادة تأهيل بنيته الدفاعية والاستخباراتية، كما يقول المحللون الفلسطنيون، إلا أن المكاسب الخمس المتقدمة، تكفى للبناء عليها، خاصة وأن ما حدث فى الأيام الـ 11 الماضية، أعاد القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام، عربيا وعالميا، وأمريكيا، وسوف يجبر إسرائيل فى مرحلة ما بعد نتنياهو (حتما سوف يرحل فى الأيام القادمة، ويحاكم ويسجن فى إسرائيل) على الدخول فى مفاوضات جادة لإعلان الدولة الفلسطينية، فقط لا يجب أن تطول مدة الانتظار والتسويف الإسرائيلى كعاتهم فى الرهان على الوقت، وعلى العرب أن يطرقوا الحديد – الآن – وهو ساخن.