رجب الشرنوبي يكتب: الضحية والنصاب وشلة الحرامية!
بمناسبة الحديث عن وقف لإطلاق النيران وهو نهاية ضرورية ومؤقتة ومتوقعة لما كان يحدث في الأراضي الفلسطينية علي مدار الأيام العشرة الماضية.. تبقي الإجابة المفقودة عن السؤال الأهم والذي يطرح نفسه كل مرة.. هل هناك ضمانة واحدة لعدم تكرار مايحدث علي المسرح الفلسطيني من مجازر وحرب إبادة للمدنيين الفلسطيني بواسطة سفاحي تل أبيب ؟!
أعتقد أنه لن يمكننا التأكيد علي ذلك طالما لم يتم التوصل إلي إتفاقيات ملزمة وفورية بين الفلسطينين والكيان الصهيوني،بإعتراف كامل وبشهادة وضمانة المجتمع الدولي بوجود دولتين متجاورتين،الأولي فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وأخري يهودية وعاصمته القدس الغربية، وهو ماكانت قد توصلت إلية مصر أيام الرئيس الراحل أنور السادات من خلال مفاوضات كامب ديفيد ورفضها وقتها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.. ثم ذهب بعدها بخمسة عشر عاماً ليوقع إتفاق هزيل في أوسلو ومع ذلك لم يستطيع أحد أن يلزم دولة الإحتلال بالحفاظ عليه.
من المؤكد أن الضحية الوحيدة الحقيقية في كل هذه الأحداث كالعادة هم أبناء الشعب الفلسطيني، كما أنه من المؤكد أن السلطة الفلسطينية والتي تتزعمها قيادات حركة فتح قد فقدت القدرة والسيطرة علي قيادة القرار الفلسطيني،بظهور حركة حماس المؤدلجة بجذورها الإخوانية مع بداية أحداث الإنتفاضة الفلسطينية الأولي عام سبعة وثمانون، هذه الحركة التي ساعد في ظهورها ودعمها ومساندتها عدة دول إقليمية لها أهداف دينية وسياسية،مثل إيران وتركيا وبعض الأطراف الخليجيه.. تزامن ظهور هذا المتغير الجديد مع ترهل في الأداء السياسي للسلطة علي المستوي الدولي..ساعد ذلك بالطبع علي إكتساب الحركة زخم كبير في الشارع الفلسطيني وخصوصاً قطاع غزة..كما أعطاها بعض الزخم علي المستويين الإقليمي والدولي.. وعلي وجه الخصوص موقفها من إتفاقيات أوسلو عام ثلاثة وتسعون مع أبو عمار والجولات واللقاءت التي تمت مع الإسرائيلين بعد ذلك.
مع تسلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس”أبو مازن” راية النضال الفلسطيني سارت الأمور بشكل روتيني ولم يكن هناك تغير تكتيكي ونوعي أو تحقيق أي مكاسب طوال هذه السنوات.. يمكن أن يبشر بأي تقدم في المسار الفلسطيني بل علي العكس قل التفاعل والتعاطي الدولي مع القضية،خصوصاً في السنوات الأخيرة كما توحش الإستيطان اليهودي في مدن الضفة الغربية في ظل عالم يغيب عنه العدل ولاتحكمه سوي المصلحة، ظل المجتمع الدولي يغض الطرف لأكثر من سبعين عاماً عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وتركة وحيداً يواجه مصيره ويتذوق طعم الظلم والمرارة علي أيادي مجرمين وجلادين الكيان الصهيوني،ليس هذا فقط بل وساعد بعضه نتنياهو ومن سبقوه في محاولتهم لإذلال وتركيع الشعب الفلسطيني ولكن أبناء القدس وكل الأراضي الفلسطينية يأبون إلا العيش بعزة وكرامة.
الولايات المتحدة: أول من يتحمل المسئولية عن هذا الدم الفلسطيني من النساء والأطفال.. مع أن الأمريكان لايكفون عن الحديث عن حقوق الإنسان والتسامح والعيش المشترك، ويتغنون في أي وقت ومكان بصورة أمريكا محراب الديموقراطية وقبلة الحريات وماهي إلا صورة خادعة مزيفة،لم يكن قتل جورج فلويد الأمريكي من أصل أفريقي تحت حذاء الشرطي الأبيض وماحدث بعدها من قمع للأمريكيين السود هي الحالة الأولي لإنتهاك حقوق الأقليات في أمريكا..لولا كل هذا الدعم علي إختلاف أنواعه الذي توليه الولايات المتحدة لإسرائيل منذ اللحظة الأولي لتأسيسها علي أجساد المواطنين الفلسطيني وأنقاض المنازل الفلسطينية لما كانت تستطيع أن تتصرف بهذا الشكل النازي العنصري كل هذه العقود.. خصوصاً بعد أن أصبح من الواضح أن أمريكا تسير في طريق الهيمنة علي العالم بعد أن خرجت من الحرب العالمية الأولي قوة عظمي..ثم تأكدت بوادر هذه الهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية وهو ماأصبح حقيقة كاملة بعد الخلاص من الإتحاد السوفيتي السابق في تسعينيات القرن الماضي.. وسواء كان قاطن البيت الأبيض من الجمهوريين أو الديموقراطيين لن يختلف الأمر كثيراً والجميع في حاجة إلي نيل رضاء اللوبي اليهودي الذي يسيطر علي الإقتصاد الأمريكي.. ولعل ماتم إعتماده والموافقة عليه قبل سويعات داخل مبني الكونجرس الأمريكي من بيع وتزويد الكيان الصهيوني بصفقة أسلحة بمبلغ سبعمائة وخمس وثمانون مليون دولار ولازال الأطفال والنساء الفلسطينيات يقتلون في مدن القطاع والضفة الغربية خير دليل علي ذلك.
الاتحاد الأوروبي: الذي كانت معظم دوله سبباً مباشراً في إبتلاء المنطقة كلها بهذا السرطان..بعد وعد بلفور الشهير وتهجير اليهود إلي فلسطين من كل مكان في القارة العجوز.. ثم بمرور الوقت فقد الدور الأوربي تأثيره إذا مافكر في تجميل وضع قبيح من صنع يديه.. شأنه في ذلك شأن غالبية القوي الدولية الأخري أمام التأثير الأمريكي علي الساحة العالمية.
أيران: بقيادتها الدينية المتطرفة منذ الثورة الإيرانية عام تسعة وسبعون من القرن الماضي تلعب أدوار مشبوهه في المنطقة،أعتقد أن تدخلاتها القوية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن يوضح بما لايدع مجال للشك ان تحركاتها ترتكن في المقام الأول إلي مصالح خاصة وخلاف عقائدي وإلا ماهو تفسير مايحدث في اليمن،في نفس الوقت الذي تتفهم فيه طهران جيداً أن من مصلحة واشنطن الإبقاء علي هذا الصراع مع دول الخليج أكبر فترة ممكنة حتي تستمر في الإستفادة، من هذا الوضع المغلوط لمصلحتها الخاصة.. هذا ولاتتورع إيران عن اللعب بورقة حماس الإخوانية كورقة ضغط في يدها لإدارة الصراع مع الولايات المتحدة من بوابة الملف الفلسطيني.. وهذا يفسر ظهور التأثير الإيراني في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة..لذلك لا أجد غرابة في أن يقوم إسماعيل هنية بتوجيه الشكر علي دعمها للحركة مما مكنها في التصدي لإسرائيل وهجماتها الشرسة علي مدار الأيام العشرة الأخيرة.
تركيا: التي لاتتوقف عن بيانات الشجب والإستنكار والصوت العالي للتنديد بالهجمات الإسرائيلية،كان لها تدخل واضح أيضاً علي الملف الفلسطيني لتقارب المنهجية بين قيادتها السيساسية وبين حركة حماس الإخوانية،علماً بأن تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني عام تسعة وأربعون،أنقرة التي أعتمدت سياسة الصوت العالي والبيانات الخطابية، هي الأخري تقول شيئا وتفعل شيئاً آخر،ولايستطيع أردوغان أن ينكر أن هناك علاقات إقتصادية وتبادل تجاري قوية مع إسرائيل التي زارها ووضع إكليل من الزهور علي قبر مؤسس الصهيونية العالمية هرتزل،في زيارته لتل أبيب في العام ألفان وخمسة.. تركيا لاتستطيع أن تنكر حقيقة الحديد التركي الذي أقامت به دولة الإحتلال الجدار العازل العنصري في الأراضي المحتلة، بما يؤشر علي أن تركيا أيضاً أحد المستفيدين من المتاجرة بدماء الأخوة الفلسطينين.
حركة حماس: حركة سياسية في المقام الأول كل مايهمها هو الوصول إلي سلطة قيادة الشعب الفلسطيني بشكل رسمي أمام المجتمع الدولي..ترتدي قناع الدفاع عن المقدسات شأنها في ذلك شأن الحركة الأم(حركة الإخوان المسلمين) ومع ذلك ترتمي بل تفتخر بقيادة طهران لقرارها السياسي.. رغم الخلاف العقائدي بين الطرفين..مع هروب معظم أعضاء قياداتها السياسية خارج الأراضي المحتلة ولا يتعرض أياً منهم للرعب الذي يعيشة الفلسطينيين ليل نهار.
قطر: تدخلها الواضح من خلال حماس علي مدار السنوات الماضية،أول لكون الدوحة تعمل طوال الوقت علي إيجاد دور لها في المشهد العالمي مهما كلفها ذلك من أموال وحتي إذا كان دوراً شكلياً غير فاعل في الأحداث..خصوصاً في ظل التقارب القطري مع كل من طهران وأنقرة.
مافعلته مصر بقيادتها السياسية من مجهود ضخم علي مدار هذه الأيام العصيبة التي عاشها الشعب الفلسطيني رغم تزامنها مع أيام عيد الفطر المبارك..تفسره بوضوح إرتفاع صيحات مئات المأذن بالتكبير والتهليل في الأراضي المحتلة إبتهاجاً بحلول العيد.
ماقام به الرئيس السيسي خلال هذه الأزمة عمل تاريخي ينبيء عن عدة توقعات ربما تحملها لنا الأيام القادمة.
أول هذه التوقعات:عودة إدارة ملف القضية الفلسطينية مرة أخري إلي القاهرة بشكل حقيقي وفاعل وبإرادة فلسطينية بعد غياب لعدة سنوات كان السبب فيها إرتماء حماس في حضن تركيا وقطر وضعف الخيارات أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس..كما أتوقع أن تتفاعل حماس مع التصور المصري لإدارة الصراع.
ثانيا: إختفاء الدور الإيراني التركي من خلال فقدان التأثير علي حركة حماس كما كان المشهد سابقاً.
ثالثاً:إتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بفخامة الرئيس السيسي والتنسيق بعد مرور عدة أشهر من عمر الإدارة الأمريكية الجديد،بما يعني أن الرئيس بايدن أيقن بما لايدع مجال للشك بأنه لابديل عن الدور المصري في حفظ السلام والتوازن في منطقة الشرق الأوسط،حتي في ظل محاولات قوي”إقتصادية” أخري في المنطقة تود أن تلعب هذا الدور..لكنها لا يمكنها إحداث نفس التأثير مهما كان لديها من أموال.
رابعاً: أتوقع أن يكون هناك معطيات جديدة علي ملف سد النهضة في الأيام القادمة.