أسماء خليل تكتب: تحرر المرأة.. إلى أين ؟!
هناك شيء بالحياة اسمه المشاعر الجميلة، التي ربما يدفع ثمن فقدانها طرفٌ ما دون الآخر، وهناك أشياء لا تُباع ولا تُشترى ولكنها فقط تُحس،ومنها تلك المشاعر والمكنونات داخل المرأة التي لا يعلمها إلا هي لأنها هي التي تعيشها فقط..
ذات صلة.. أسماء خليل تكتب: “أدرعي”.. والحقيقة المُعاكسة
إن العالم يعتقد أن المرأة حينما خرجت من دارها تُطالب بحقوقها، أنها سعت من أجل الخروج للعمل والتحرر في حد ذاته؛ بلى.. إن هناك أسبابًا خفية لم تُعلن المرأة عنها حين مُطالبتها بما تبدى للمجتمع أنها تلهث وراء حقوقها المجردة.. إنها أرادت التحرر من بطش الرجل وظلمه لها منذ نعومة أظفارها مرورًا بكونها ابنة ثم أخت ثم زوجة.. إنها كانت ترعى في بيتٍ لا مكان لها به.. مرورًا بأب وأخ يسلبون منها ثقتها بنفسها وصولًا لزوجٍ تكن هي جاريته التي اشتراها ببضع دراهم وليته يصونها مثلما يشتري المرء أي تحفة فيحافظ عليها لأنها من حر ماله الذي تعب به، بل تُراهُ يهينها ويضربها ويؤذي مشاعرها ويمارس عليها قهرًا بدنيًا ولفظيًّا..
وبعد الكثير من سنوات العناء والمُطالبات، حصلت على حقوقها..بيد أنها باتت أسيرة أيضًا، ولكن بشكل مختلف..إنها تخرج للعمل لتثبت للرجل أنها تستطيع فعل ما يفعله .. إنها تحاول أن تتجمل لتثبت له أنها أجمل نساء الأرض.. إنها تتحدى كل الصعوبات لتثبت له أنها قوية في مواجهة الحياة..هل هذه هي الحرية؟!
إنها فقط أرادت شيئًا خفيًا فعلت من أجله كل تلك الأشياء المُعلنة.. إنها أرادت أن تتحرر في بيته من عبوديته لها.. أرادت حبه ونظرة واحدة من اهتمامه واحترامه للآخرين ..
إنه رضي لها أن تعمل وهي مُعتقدة أن العمل هو الحرية؛ كي يُعاقبها، نعم.. إن المنحة العظيمة التي منحها الرجل المرأة هي مُجرد عقاب.. كان بإمكانه أن يمنحها كل شيء ويُشعرها برطب جنة بيتها، بدلًا من أن تخرج لتحترق بلهيب نار المجتمع.
إنها لم تكن بحاجة إلا لجزءٍ منه.. إنها رغبت في احتوائه لها.. احترامه وتقديره لما تفعل وعدم استهانته بكونها ترعاه هو وأولادهما..إنها تمنت تعبيره لها عن أنوثتها فهي لم تكن بداره إلَّا لأجله..إنها احتملت الكثير، فقد أظهرت بعض الدراسات أن النساء أكثر عرضة للقيام بابتسامات زائفة في مواجهة المجتمع أكثر من الرجال.. إنها تبتسم رغم الألم النفسي.. رغم كل شيء.
وأيضًا إنَّ بعض الدراسات استنتجت أن عدم احتواء الرجل للمرأة وتعبيره لها عمَّا يجول بخاطره من مشاعر تجاهها، نظرًا لأن فص مخه الأيمن مختلف عن فص مخ المرأة وكذلك الفص الأيسر.. إن المسألة ليست مسألة فصوص يا سادة!!!.. فمن ذلك الرجل الذي يُسمع خطيبته معسول الكلام؟!.. ومن ذلك الرجل الذي لا يعامل معشوقته إلَّا بكل تدلل ولين وحب؟!.. أوليس هو نفس الرجل؟!!.. إنه لم يحتويها لكِبرهِ وغروره ونظرية التقييد الاجتماعي بالتربية للذكور؛ فخرجت تلتمس الاحتواء بالعالم الزائف.
إنه كان لها كل شيء.. في الحين التي كانت هي لا تعني له أي شيء.. الآن امتلكت المرأة كل الأشياء..ولكن هل وجدت ذلك الشيء الذي سعت للتحرر من أجله؟!
والآن، وبعد كل مظاهر التحرر التي حصلت عليها..إلى أين هي ذاهبة؟!.. هل إلى”التيك توك“الذي تقوم به بعض الفتيات، حيث التمايل والتراقص تحت مُسمى الحرية؟!.. أم إلى الأفراح التي باتت البنات تُحييها بالرقص بأنفسهن طوال مدة الاحتفال؟!.. أم إلى البنطال المُتقطع الأجزاء من كل الاتجاهات؟!.. أم إلى الضحك بالطرقات ومصاحبة الأولاد في الرحلات لمدة أيام خارج بيوتهن؟!..
هل تلك هي الحرية التي نادى بها قاسم أمين وهدى شعراوي وملك حفني ناصف وغيرهم؟!.. إنهم طلبن من الفتاة الحفاظ على نفسها في مواجه المجتمع وتعليم وتثقيف أنفسهن وكيفية الاعتناء بذاتهن ومشاركتهن فيما سيترك بصمة مؤثرة بالمجتمع،،
على امرأة اليوم، التي أصبحت واعية وقادرة على فهم المجتمع أكثر، أن تعرف أن الحرية هي ألا تكون أسيرة أفكار مغلوطة تودي بها إلى الهلاك المحقق، وأن تكون أكثر التزامًا ومعرفةً لقيمتها الغالية، ولا تعطي فرصة للعالم أن يسألها نفس السؤال مستنكرًا : وماذا بعد التحرر؟!