عاطف عبد الغنى يكتب: الدين والسياسة (1)
استبيانات وقياسات رأى حديثة قادمة من أمريكا تشير إلى أن المسيحيين الصهاينة دعموا إسرائيل فى عدوانها على غزة أكثر من يهود أمريكا أنفسهم.. وهكذا تصنع الأسطورة يقينا يصبح أحيانا أكبر من أى حقيقة.. هذا ما قلته لنفسى بعدما عرفت الخبر.. ولم تدهشنى المعلومة، لأننى أعرف ما وراءها، ولكن كثيرون لا يعرفون، لماذا يدعم هؤلاء المسيحيون الأصوليون – المتمركزون بشكل أساسى فى الولايات المتحدة الأمريكية – إسرائيل بهذا الشكل الأعمى المجافى للعقلانية؟!
الإجابة: إنهم يفعلون ذلك لأنهم يعتبرون دعمهم لإسرائيل أمر من أمور السماء، قضى به الإله الذى يؤمنون به، ولا رجعة فيه، ووراء هذا المعتقد كثير من القصص يجب أن نعرفها لنفهم ما يحدث فى فلسطين المحتلة، وما يدور فى عقل أمريكا المحتل من اليهود.
فى القرون الوسطى جاء مارتن لوثر (10 نوفمبر 1483 – 18 فبراير 1546) المسيحى المتمرد على الكنيسة الكاثوليكية، ليقود ثورة ضدها، انتجت المسيحيين البروتستانت، أى المحتجون، ليشكل طائفة جديدة كبيرة إلى جوار الطائفتين الكاثوليك والأرثوذكس، وألف مارتن لوثر كتابا بعنوان ولد المسيح يهوديا، وضم العهد القديم “التوراة” إلى العهد الجديد “الإنجيل” فى كتاب واحد، وتقول الرواية التاريخية إن لوثر انقلب على اليهود واليهودية بعد ذلك وتبرأ من كثير من أفكاره، وكتب ضد اليهود وطالب بالتضييق على حرياتهم وحرق كنسهم ومنازلهم، ما دفع إلى اتهامه بمعاداة الساميّة، لكن السيف كان قد سبق العزل، وانتشرت افكاره السابقة بشكل كبير لا يمكن العودة فيها.
وعلى ما يبدو أن لوثر قد نبه اليهود بشدة إلى توظيف الدين فى نشر الفكرة الصهيونية.
وبعد مئات من السنين جاء من بعد لوثر من يفسر سفريا الرؤيا أخر أسفار العهد الجديد تفسيرا حرفيا مخالفا للتفاسير المعتمدة فى معظم أو كل الطوائف المسيحية، وهو تفسير رمزى.
وفى التفسير الجديد أو الصهيونى لسفر الرؤيا تم الربط بين عودة المسيح عيسى ابن مريم إلى الأرض فى رجعته من السماء، وبين قيام مملكة اليهود فى فلسطين، وعلى هذا الأساس السابق اشتغل اليهود على الكنائس الأمريكية الإنجيلية، هذا على الرغم من أن لديهم قصة مختلفة تماما تخص مسيحهم الذى ينتظرونه منذ أكثر من 3 آلاف عام، وبالتحديد منذ سبى اليهود الذين عاشوا فى فلسطين قبل المسيح وأخذهم أسرى وسبايا إلى العراق، وهو ما شتهر فى التاريخ بـ “السبى البابلى” Babylonian Exile، وحدث على دفعتين، أو مرتين، وكان لمصر دخل فى هذا الأمر.
كانت الإمبراطورية الآشورية التى تحكم العراق، وتمثل قوة عالمية عظمى خلال القرن السابع قبل الميلاد، تنافس المملكة المصرية على مناطق النفوذ والسيطرة وكان محور النزاع بلاد الشام وخاصة فلسطين، وفي هذا التاريخ الذى نتحدث عنه كان اليهود منقسمين فى فلسطين، إلى كيانين الأول يطلق على نفسه مملكة إسرائيل، ولها هيكل خاص بها، ومذبح، وجبل تقدسه فى جزء من شمال فلسطين والثانى مملكة يهوذا فى الجنوب، ولها هيكل خاص بها ومذبح وجبل تقدسه.
يهود مملكة الشمال ساند الجانب المصري، وامتنع عن دفع الجزية لأشور، مما أثار حفيظة سنحاريب ملك آشور الذي صمم على إخضاع تلك المنطقة فقام بحملة على المملكة الشمالية في عام 697 ق م، وحطم هيكلها وشرد أهلها وأعمل القتل والسبي في أهلها، وأخذهم سبياً إلى آشور (العراق).
تحكى التوارة القصة فتقول في (2مل17: 1- 6):
“1 فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ لآحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ تِسْعَ سِنِينَ، 2وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. 3وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْداً وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً. 4وَوَجَدَ مَلِكُ أَشُّورَ فِي هُوشَعَ خِيَانَةً، لأَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرَ وَلَمْ يُؤَدِّ جِزْيَةً إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ حَسَبَ كُلِّ سَنَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ. 5وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ. 6فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي.” وفيها سُبي غالبية الشعب إلى أشور، وجاءوا بغرباء وأسكنوهم في إسرائيل.”
وتشرح “التوارة” فى مواضع عدة أن سبب وقوع السبي على سكان “إسرائيل” هو أن الشعب (اليهود) ترك عبادة إلهه وذهب وراء آلهة الشعوب الأخرى التى كانت تسكن معه فى فلسطين، وهى شعوب وثنية، وتستخدم التوارة لفظ “زنى” بمعنى كفر، وكثير ما تخبرنا التوراة عن زنى اليهود وعقاب الرب لهم منذ خروجهم من مصر مع موسى وإلى الأسفار الأخيرة التى كتبوها وضموها إلى التوارة بعد موت نبى الله موسى بآلاف السنين.
وحكايات الدين والسياسة لا تنتهى.. فانتظرونا