انتهازيون حتى النخاع.. منصور عباس الإخواني الذي أنقذ إسرائيل من أزمة سياسية كبيرة
كتب: عاطف عبد الغنى
من هو منصور عباس الذى منح ائتلاف يائير لابيد قبلة الحياة، ومكنّه من الوصول إلى النصاب البرلمانى المطلوب (الأغلبية المطلقة) لتشكيل الحكومة فى إسرائيل.
منصور عباس، الذى أصبح شهيرا منذ أن تم طرح اسمه في الأوساط الإسرائيلية، باعتباره الشخص الذي يمكنه إنقاذ إسرائيل من انتخابات خامسة، هو رئيس الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في إسرائيل، والذي شارك في انتخابات الكنيست الأخيرة بالقائمة العربية الموحدة، “رعام” هذه القائمة التى حصلت في الانتخابات الأخيرة التى أقيمت فى شهر مارس الماضى، على 4 مقاعد.
وأعلنت فى البداية القائمة العربية الموحدة أنها سوف تخوض الانتخابات ضمن قائمة مشتركة تضم 3 أحزاب عربية، هي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة، والقائمة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي، لكن قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات قررت “القائمة العربية الموحدة” خوض الانتخابات منفردة بعد خلافات مع باقي الأحزاب العربية حول الموقف من رئاسة نتنياهو لحكومة ما بعد الانتخابات.
كان موقف منصور المعلن أنه لا مانع من التعاون مع أي معسكر يشكل الحكومة الإسرائيلية، شرط التجاوب مع مطالب قائمته التي تتمثل في الحصول على مزيد من الدعم والخدمات للمدن والقرى العربية غير المعترف بها داخل إسرائيل، فيما كان رأت باقى الأحزاب العربية المشاركة فى الانتخابات، أن مهمتها الأولى هي إسقاط نتنياهو.
وفي خطبه، وأحاديثه إلى مناصريه قبل الساعات الحاسمة من انتخابات مارس الماضى أعلن عباس أن عرب إسرائيل (عرب 48) لا يريدون أن يكونوا على الهامش، مضيفا: “ولا نرضى أن نكون خارج الدائرة، إما أن نكون مواطنين كاملي المواطنة والحقوق، وطنية كانت أو قومية أو دينية أو مدنية، أو أن الخيارات الأخرى توضع على الطاولة.”
وقال عباس أيضا: “إما أن تأخذ هذه الدولة موضوع مواطنيها بجدية وقد وضعناهم الآن في هذا الامتحان، ونحن ندرك وجود تخبط كبير وتدافع كبير في أوساطهم”، معتبرا أن “قواعد اللعبة قد تغيرت” فى إسرائيل حسب قوله.
وقواعد اللعبة على الجانب العربى، تحتم أن يغير العرب من تعاملهم مع الجانب الآخر أو كما يقول عباس: “يدنا ممدودة لكل أبناء مجتمعنا العربي، نخرج من التقديس لأفكار بالية وشعارات خرقاء لا تخدم مشروعا ولا تخدم مجتمعا وإنما في كل مرة يتحقق الهدف المعاكس لذلك”.
منصور الذى ينتمى إلى “القائمة العربية الموحدة” يعنبر هو وقائمته من المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1996 ، وفى هذا التاريخ الأخير انقسمت الحركة الإسلامية إلى جناحين شمالي وجنوبي، وذلك على إثر الموقف من اتفاق أوسلو الذى عقدته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل، وعارض الاتفاق الجناح الشمالي للحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، كما عارض بشدة وما زال المشاركة في انتخابات الكنيست، فيما أيد الاتفاق الجناح الجنوبي برئاسة الشيخ عبد الله نمر درويش، كما أيد المشاركة فى انتخابات البرلمان الإسرائيلى ” الكنيست”، وفي عام 2015، أخرجت إسرائيل الجناح الشمالي للحركة الإسلامية عن القانون باعتباره فرعا للإخوان ولحركة “حماس” وبقى الجناح الجنوبى للحركة معترفا به، ويمارس السياسة بشكل قانونى، فى إسرائيل.
أما عباس منصور، فهو طبيب أسنان يبلغ من العمر (47 عاما) وفى الغالب سوف يواجه فى الأيام القليلة القادمة اتهاما بأنه أنقذ إسرائيل من الدخول فى أزمة سياسية كبيرة، وجديدة بقبول كتلته الانضمام إلى الائتلاف المنوط به تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
وتمكين زعيم المعارضة يائير لبيد من تشكيل هذا الائتلاف الحاكم الجديد فى إسرائيل، حسبما صرح المتحدث باسمه الائتلاف، مساء اليوم الأربعاء، والقضاء حقبة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، بعد ماراثون لأكثر من شهرين لتشكيل الحكومة فى أعقاب الانتخابات البرلمانية، انتهى مساء اليوم بإعلان لبيد رئيس حزب يش عتيد (هناك مستقبل) عن تشكيل ائتلاف من ثمانية أحزاب.
قال أيضا المتحدث ياسم الائتلاف إن رئيس حزب “القائمة العربية الموحدة “رعام” منصور عباس وقع على اتفاق ائتلاف مع لبيد قبل انتهاء المهلة الممنوحة لتشكيل الائتلاف، و “القائمة” يمثلها أربعة نواب، فى الكنيست الإسرائيلى.
بقى أن نشير إلى أنه مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 تمايزت الجغرافيا التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، إذ استقلت الجماعة تنظيمياً في حدود مدن وبلدات فلسطين المحتلة عام 48 تحت اسم “الحركة الإسلامية” في الداخل، وبرزت حركة “حماس” بوصفهاً تنظيماً للإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع نهاية ثمانينيات القرن الماضي برزت قوة الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطينى، مع خوضها انتخابات البلديات وفوزها عام 1989 برئاسة 5 بلديات ومجالس محلية، وبعضوية عشرات البلديات والمجالس الأخرى.
وبعد 7 سنوات، انشقت تلك الحركة إلى جناحين، كما أسلفنا (عام 1996)، على خلفية قرار عبد الله نمر درويش ومعسكره الرافض للمشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وجاءت الإجراءات الإسرائيلية ضد الحركة الإسلامية الشمالية بإغلاق مؤسساتها لتساهم فى ترجيح ميزان القوى لصالح الحركة الإسلامية الجنوبية، وخصوصاً في ميدان العمل الجماهيري والمؤسساتي.
وحدث مع الوقت تحوّل هائل، فى مفاهيم ونشاطات الحركة الإسلامية الجنوبية لتغدو فلسطين المحتلة عام 48 جزء من “دولة إسرائيل” فى مفهومه بحكم الأمر الواقع، كما يقول مراقبون من الداخل الفلسطينى، ويوضحون أن سقف مطالب فلسطنيو 48 والأحزاب السياسية التى تمثلهم صارت تحصيل حقوق “المواطنة” في المساواة ضمن حدود القانون الإسرائيلي، ليتشكَّل المشهد السريالي الأكثر غرابة بعد اتفاقيات “أوسلو”، حين أصبحت السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولة قانونياً وسياسياً عن عدة ملايين من “المواطنين” الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتركّزت إشكالياتها أكثر في استكمال بناء مؤسسات الدولة والتنمية، فيما أصبح أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل “مواطنين” إسرائيليين وأصواتاً انتخابية ترجّح كفة هذا الحزب الإسرائيلي أو ذاك في الرواية الرسمية الفلسطينية، بحكم الاتفاقيات الموقعة، وجسراً للسلام بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي في أحسن الأحوال.
خلال ذلك كله، برز نوع من التقارب غير المسبوق بين منصور عباس، نائب رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية، رئيس القائمة العربية الموحدة، الذراع السياسية لتلك الحركة، وبنيامين نتنياهو، وإعلن عباس أنه لا يرى أي عائق لتعميق العلاقات بينه وبين زعيم “الليكود”، مذكّراً بأنه لا يكترث إلى موقف اليسار الرافض لهذا التقارب.
وألغى منصور عباس، بصفته رئيساً لإحدى جلسات الكنيست، التصويت لفتح تحقيق ضد بنيامين نتنياهو في شهر أكتوبر من العام الماضى (2020)، وعارضت قائمته، قرار القائمة المشتركة، ورفضت التصويت على إسقاط حكومة نتنياهو، وقال منصور فى تبريره لهذا الموقف إن “إسقاط نتنياهو هو شعار انتخابي، وليس هدفاً للعمل البرلماني.”
لكن دارت الأيام وانضم عباس منصور إى خصوم نتنياهو ليمكنهم من الإطاحة بالأخير الذى ىينتظر مصيره الغامض الآن، لكن ما هو مصير العرب فى الداخل الإسرائيلى بعد الحكومة القادمة؟!.. هذا أيضا سؤال إجابته غامضة.