د. قاسم المحبشى يكتب: اكتب حتى أعرفك.. خبرة وتغذية راجعة
تكلم حتى أراك !.. واكتب حتى أعرفك! الأولى قالها حكيم اليونان سقراط، والثانية قلتها أنا لطلابي في مستهل عهدي بالتدريس الجامعي عام ١٩٨٨، إذ اعتدت على أن أخصص نصف المحاضرة الأولى مع طلاب كل دفعة جديدة للتعارف الشخصي وأطلب من كل طالب أو طالبة أن يكتب تعريفا مختصرا لذاته بورقة بياض، تشتمل على الأسم والمواهب والاهتمامات والقراءات والكتابات وفلسفته في الحياة دون الإشارة إلى مكان المولد والمرجعيات الأخرى.. وفِي ذات السياق اسألهم عن معنى عبارة سقراط: تكلم حتى أراك؟ ثم اوضح لهم أن المرء يمكنه الذهاب إلى سوق الماشية ليشتري ما يحتاجه من الضان والماعز أو الثيران دون أن يسمع أصواتها بالضرورة.
إذ يكفيه ألقى نظرة سريعة على أجسامها الخارجية، ليتأكد من سلامتها وعافيتها ويمكنه أن أراد أن يتحسسها ويروزها بيديه حتى يشتريها.هذا في مملكة الحيونات أما في عالم الإنسان العاقل فلا تكفي المظاهر والأشكال لمعرفة الناس حقائقهم بل هناك طرق بديلة ومجربة لمعرفتهم منها: تكلم حتى أراك! وفِي الجامعة لا يجدي الكلام فقط. بل أكتب حتى أراك! ومن كتابات الطلاب في ورقة التعريف الشخصية كنت أحاول التعرف عليهم بصورة أولية. إذ أن الخط وطريقة الكتابة وسلامة اللغة والقدرة على التعبير واسماء الكتب التي تمت قرأتها وفلسفتهم في الحياة كانت بالنسبة لي معالم طريق إذ تعنى لي الشيء الكثير لمعرفة طلابي وطالبات فضلا عن ما تحدثه هذه الوسيلة التعليمية من عصف ذهني في عقولهم التي يستفزها سوال مواجهة الذات ربما للمرة الأول في حياتهم. من أنا وماذا أعرف وما هي فلسفتي في الحياة؟ اسئلة تبدو بسيطة ولكنها فاعلة في تحريك المياه الراكدة. واليكم ما كتبته لي أحدى طالباتي بعد تخرجها بسنوات وقد صارت أديبة مبدعة في مجالات عدة.
” تكلم فإنني أراك
في سراب الصحراء وحين يمتزج الواقع بالوهم سمعت كلماتك … تلك كانت البداية
في الميتافيزيقا.. وكل من سطر كلمات اللامعبود عندما أخذت ريشتي ورسمت خربشات غير مفهومة لفهم كلماتك الأولى .. عندما ناجيت روحي بسؤال تناسيته أنت
من الإنسان؟
كنت تلك الطفلة الصغيرة التي كبرت مع ذلك السؤال
حين أخذت منك علم الجمال واتقنت مسك الريشة ورسمت
الإله الواحد. ..
وحينها .. عرفت أن الإنسان هو صوت متناغم يعبر يبحث عن الخلود في الفناء ..
وفي كل مرة كانت تلك الطفلة تراك تكتشف بك الماورائيات شيئا فشيئا حتى تنزهت من ذلك الجسد الفاني إلى عالم المثل
ومن هناك اسمع صوتك دون أن أراك فكانت النهاية
أن أراك … بتلك الخربشات ومن عالم المثل اسمع كلماتك”
لا توجد علاقة بين النار والنجوم
ولا بين النرجس وسقراط
ولا بين النهر ودودة القز
ولا بيني وبينك
لاتوجد روابط مشتركة من الوهلة الأولى ينتابك ذلك الشعور
لكن إذا تتبعت خيوط القدر نسجت لك حكاية متوقعة بشكل غير متوقع
النار ترشد الجسد في حياة الخلود من الضياع في اللامعبود
والنجوم ترشد السفن في غياهب البحر من الضياع
هذا انت قل معي أولا…. المرشد
النرجس عبير فواح ورائحة مميزة تعطي بدون مقابل واذا انت تعلم عن سقراط كيف مازال يفوح سيطه إلى اللحظة فهو الهمنا دون مقابل
قل معي المفتاح الثاني ….
عطاء
وإذا تأملت انسياب النهر على ذلك المجرى فهو ثابت مع أنه يتحرك ويجري على الأرض بسلاسة وترى بعينك دودة القز تنسج بانسياب الحرير غالي الثمن تجري بعملها دون توقف لتنظر أخيرا ذلك الحرير الناعم المنساب قل معي أخيرا
انسيابية
أيعقل ؟!!
تلك الروابط …
لذلك لايعرف كل من حولنا أي رابط بيننا لكن لك المفاتيح الثلاثة
1- إرشاد
2-عطاء
3-انسيابية
اترك لك المفاتيح لتتصرف بها حسب ما شئت …. ومن ثم أخبرني أي نتيجة حصلت من ذلك ..!