كاتب مصرى يحذر: إثيوبيا الحبيسة تدخل سباق القواعد العسكرية في البحر الأحمر
كتب: على طه
قال الكاتب الصحفى محمد أبو الفضل إنه عندما أعلن دينا مفتي المتحدث بإســـم الخارجية الإثيوبية الأربعاء الماضي عزم بلاده إنشـــاء قاعدة عســـكرية في البحر الأحمـــر، قللت بعض الدوائر السياســـية، فـــي مصر من ذلـــك واعتبرتهـــا نوعا من الاســـتهلاك المحلـــي ودغدغـــة لمشـــاعر مواطنيه، لأن إثيوبيا دولة حبيســـة بعد انفصال إريتريا عنها.
جاء ذلك فى مقال تحليلى للكاتب منشور فى عدد جريدة “العرب” الصادر بتاريخ اليوم السبت 5 يونيو الحالى، يحمل عنوان: ” إثيوبيا الحبيسة تدخل سباق القواعد العسكرية في البحر الأحمر” – أوضح فيه أن من قللوا من شأن تصريح المتحدث بإســـم الخارجية الإثيوبية، تناسوا أن جنـــوب البحـــر الأحمـــر يحفل بقواعـــد عســـكرية تابعة لقوى إقليمية ودولية مختلفة، وأصبحت بعض الدول الأفريقية تجني ثمارا مادية سخية من تأجير أراضيها، وليس شرطا للحصول على قاعدة أن تكون الدولة مطلة مباشـــرة علـــى البحر الأحمـــر أو المحيط الهنـــدي القريب منه، فهنـــاك دول عديدة مـــن خارج المنطقـــة لها قواعـــد مهمة في جيبوتي وإريتريا فضلا عن الصومال.
وقال أبو الفضل، يبدو حديـــث مفتـــي ردا على تكثيف مصـــر تعاونها العســـكري مـــع عدد من الـــدول المحيطـــة بإثيوبيا مؤخـــرا، مثل جيبوتـــي وكينيـــا وأوغندا والســـودان وبوروندي، وأن أديس أبابا مصممة على دخول التحدي مع القاهرة إلى أبعد مدى، في إشـــارة توحي بعدم تليين موقفها في أزمـــة ســـد النهضة وعـــدم رضوخها لأي ضغوط عســـكرية، وأن مشاكلها الداخلية لن تحـــول دون تمددها إقليميا أو تطوير مشروعاتها التنموية. وواصل الكاتب لافتا إلى أن تصريح المتحدث باسم الخارجية جاء عقب يوم من تصريح آخر لرئيس الـــوزراء آبي أحمد أكـــد فيه عزم بلاده بناء مئة ســـد في إثيوبيا، وعلق الكاتب على هذا التصريح قائلا: “بصرف النظر عن القـــدرة والإمكانيات الحقيقية التـــي تدعـــم بنـــاء القاعـــدة البحرية أو مشروعات السدود الجديدة، ففي النهاية هناك رغبـــة إثيوبية للمضـــي في تعزيز التمـــدد داخـــل منطقـــة القـــرن الأفريقي، وإعادة صياغة جغرافيتها السياسية.”
وأوضح أبو الفضل أنه لـــم يكـــن مفتـــي أول مـــن أشـــار إلى مســـألة القاعدة البحرية، فقد جاء ذكرها من قبل على لســـان آبي أحمد نفســـه في أحـــد اجتماعاته مـــع قـــادة الجيش بعد توليه السلطة، وهو ما فسره نائب رئيس أركان القوات المســـلحة برهانو جولا في نوفمبـــر 2018 بقولـــه: “نحن نتشـــاور مع الدول الأخرى في ما يتعلق بإعادة النظام البحـــري وقدراته وبنيتـــه، والدول التي اكتســـبت ممتلكاتها حـــول البحر الأحمر والمحيط الهندي توفر قواعد بحرية لدول أخرى، لذلك تم اتخاذ قرار إســـتراتيجي بـــأن تقوم إثيوبيا بتطوير قوة بحرية في الجوار”.
وفى فقرة تالية ينبه الكاتب إلى الإشـــارات الجديدة القادمة من إثيوبيا، والتى تؤكد أن فكرة القاعدة البحرية لا علاقة لها بالتحـــركات المصرية العســـكرية في المنطقـــة، ولا علاقة لها بنوايا الســـودان حول إعادة ترتيـــب أوضاعه البحرية مع قـــوى دولية متباينـــة، فالتوجه الإثيوبي ســـابق لتصاعد حدة الأزمة في ملف سد النهضة أو التلويح باســـتخدام خيارات خشـــنة لوضع حد لها أو احتدام الصراع علـــى القواعد البحرية في الســـودان بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن يأتـــي ضمن مشـــروع كبيـــر يتبناه آبي أحمد يسعى إلى تثبيت دور إثيوبيا، القـــوي فـــي المنطقـــة وإعـــادة جانب من الشـــكل الإمبراطوري تحـــت قيادته، فقد ذكر ذات مرة أن أمه تنبأت له بأنه منذ أن كان في عمر الســـبع سنوات سيكون الملك السابع لإثيوبيا، وعاش، ولا يزال، مفتونا بهذه النبوءة ويعمل على تطبيقها.
وينبه الكاتب إلى أن حديـــث القواعد البحرية يضاعف من معالـــم التوتر بـــين إثيوبيا مـــن ناحية، ومصـــر والســـودان مـــن ناحيـــة أخرى، ويشـــير إلى أن كل طـــرف يحاول توظيف ما لديه من قدرات عسكرية لردع وتحجيم الطرف الآخـــر، فالمنـــاورات التي أجرتها مؤخرا قوات عسكرية مصرية وسودانية فـــي طبعتيها “نســـور النيل” ثـــم “حماة النيـــل” اعتبرتها إثيوبيـــا موجهة إليها، وأنها دليل على عدم استبعاد اللجوء إلى الحل العسكري.
ويقول الكاتب: “تريد أديس أبابا التظاهر بأنها ليست لقمة ســـائغة في فم مصر والسودان، فإذا كانت القاهرة نجحت في توصيل رســـائل بأن علاقتها بالعواصم المحيطة بإثيوبيا جيـــدة من خلال تنـــوع التعـــاون الأمني معها، فأديـــس أبابا تؤكد أيضا أنها غير معزولـــة وقادرة علـــى أن تذهب إلى مدى أبعـــد مـــن مصر التـــي وقعـــت اتفاقيات عســـكرية مـــع دول مختلفـــة لا ترقى إلى مســـتوى الحصـــول على قواعـــد بحرية حتى الآن.
ويؤكد الكاتب أن إثيوبيا تحتفـــظ بعلاقـــات جيدة مع كل مـــن الصومـــال وجيبوتـــي وإريتريا، ويمكنهـــا الحصـــول علـــى تســـهيلات عســـكرية في موانئ الـــدول الثلاث تنهي بها عمليـــة الحصار البحـــري والخروج من إطـــار التحول من دولة حبيســـة إلى منفتحة على البحر الأحمر، وربما المحيط الهنـــدي، وقـــادرة علـــى اســـتعادة زخم أسطولها البحري السابق.
ويقول أيضا إن طموحات أثيوبيا المســـتقبلية لن تقف عند حدود بناء ســـد النهضة الـــذي أكدت تداعياتـــه حاجتها لقـــوة عســـكرية كبيرة تحميـــه، وتحمي حدود إثيوبيا بعد تفجر الحرب في إقليم الفشـــقة الســـوداني وزيادة المخاوف من تحول تيجراي إلى جرح مستمر.
وينتهى الكاتب إلى القول إن بناءالقاعدة البحرية الإثيوبية المنتظـــرة فـــي مينـــاء عصـــب أو مصوع، التابعين لإريتريا، يحتاج لوقت كي تظهر نواته العملية، لكن فـــي ظل العلاقة الوثيقـــة التي تربط بين آبي أحمد في أديس أبابا وأســـياس أفورقي في أســـمرة يمكن أن تقدم إريتريا التســـهيلات المطلوبة حاليا.