أ.د. هبة جمال الدين تكتب: المجتمع ينزف فهل من مكترث
لا أصدق هول الفاجعة أن تتكرر قصه نيره أشرف ويصبح لدينا سلمي بهجت رحمهما الله.
لماذا القتل والتنكيل؟
لماذا طالبتان في عمر الزهور؟
لماذا يكون القاتل في كل جناية شاب جامعي في مقتبل العمر؟
لماذا القتل بنفس الطريقة الجهر والتصوير والسكين وغياب الندم؟
كلتا الجريمتان القاتل والضحية طلبة بكليات نظريه من المفترض أنها ترتقي بالروح والعقل والذوق فالآداب والإعلام كلاهما مصنع العقول وقادة الرأي والفكر.
لماذا التفوق عامل مشترك بين القاتل والضحية ؟
لماذا هذه المرحلة العمرية هل لها دلالة؟
لماذا الحب ستار ودافع للقتل؟
هل أصبح الذكور بمجتمعاتنا أضعف من الألم النفسي للفراق والهجر؟
لماذا أسهل وسيلة هي القتل؟
هل قتل المجتمع سلمي بعد تشويه نيرة والتعاطف مع السفاح وأهله والتشكيك في الحكم وأصبحت الضحية جانية وتستحق التنكيل، وأصبح السفاح مجني عليه له كل الحق وتكالب المتبرع والمبرر والمشوه علي جثة وسمعة نيرة؟ فهان علينا دم الضحية وعرضها ولم نكترث بألم الأم الثكلي بل أصبحت جانيه و و و ؟
لماذا الجريمة الثانية تفصلها عن الأولي شهور هل تقليد أعمي أم أصبح محمد عادل قدوة للسفاحين المغدورين في ظل تعاطف مزموم من بعض الشخصيات المريضة؟
لماذا الغضب ليس له سقف لماذا الأسهل والأيسر الانتقام عبر القتل وسفك الدماء بهذه الطريقة الموحشة؟
تساؤلات كثيرة لا أجد أية إجابات عنها، في ظل غياب مراكزنا البحثية عن القضية، فليست من القضايا التي يقبل عليها المانحين ليهتم بها باحثينا ويتسارعون من أجل التقديم للحصول علي المنح والمال الوفير.
فلهل ينتظرون إصدار مبادرة رئاسية ليتسارع الباحثون علي البحث والاهتمام بالدم المصري فلم تعد مراكزنا مرآة لواقعنا فهي منفصلة عن المجتمع بآلامه
فأصبح تزييف المجتمع أمر غير مهم بل معتاد.
أين الخطاب العاقل من مؤسساتنا الدينية في القضية الأولي لمنع الثانية، في ظل تكالب مقزز للسير علي عرض الضحية الأولي وأسرتها.
أين علماء الاجتماع وعلماء النفس من جامعاتنا ومدارسنا فالمرض النفسي أصبح أكثر إيلامًا من العضوي يا سادة.
ولن أتحدث عن الأسرة لأنني وجدت في الحالة الأولي غياب لدورها في الوعي والفهم والنصح والتربية بل أصبحت أم القاتل تتمني خروجه بدلا من أن تهتم الأم بتوبة أبنها وتضرعه إلي الله فأيام سيقابل وجه كريم وسيأخذ ما يستحقه ولكنها لا تهتم بالتوبة وكأن الدم مبرر ومستباح فأسر هؤلاء السفاحين مغيبة فمن غير المجدي المطالبة بعودتها.
سأطرح فقط عده ملاحظات قد تساعد في قراءة المشهد.
فكل من الجانى والضحية بالجريمتين مروا بأحداث قاسية بدأت بطفولة مشوهة منذ أحداث ٢٥ يناير فمشاهد الدم والقتل والعنف كانت تمليء الشوارع، ثم الإرهاب الذي جعل القتل وسفك الدماء سمت للمرحلة ثم في النهاية ثلاثة سنوات من الإغلاق بسبب الوباء والكورونا التي لم تخلو من الموت والألم فأصبح الموت قريب من هذه الشريحة العمرية ولا تنسوا يا سادة أن جنوب إفريقيا من أهم أسباب انتشار العنف بالمجتمع هو ارث الابارتايد “التطهير العرقي”، ما بالكم بأطفال مروا خلال الطفولة والمراهقة بمثل تلك الأحداث الدموية
وكان الملجأ هو الموبايل والكمبيوتر والتابلت وما يهم من ألعاب تجسم الدم والقتل وطرق القتال وسفك الدماء والجنس والمثلية والحب والكره والانتقام والتنكيل
فمشهد مقتل نيره أشرف كان بلعبه أطفال بعمر أقل من سبع سنوات، وسفاح الإسماعيليه الذي فصل رأس الضحية كان في لعبة أيضا، وقاتل المسلمين في مسجد الفتح بنوزيلاندا كان يطبق لعبة أيضا.
وكل هؤلاء القتلة في نفس الفئة العمرية التي تحتاج لتفريغ نفسي وإعاده بناء الشخصية المصرية التي طالما طالب وناشد بها سيادة الرئيس ولكن ربما ليس لدينا من يسمع أو يهتم.
انقذوا الشباب وأوقفوا نزيف المجتمع قبل أن تتحول لظاهرة فحتي الآن الحالات فردية ولا تقارن بعدد السكان ولكنه تنفيس فالقادم لا أتمني أن القول بأنه أخطر.
فالكل شريك بتلك الجرائم في ظل التجاهل المتعمد أو غير المتعمد لا تسيروا علي جثث الضحايا وأنقذوا الوطن.
وأتمني من سيادة الرئيس أن يصدر أوامره أن تهتم مراكزنا بالبحث في تلك الجرائم ودراستها ووضع سياسات للتصدي والمجابهة، وأن تقوم بنشر الوعي في الجامعات والمدارس حول الوطن وحرمة الدم، والمواطن المشارك، ومعني الرجولة ودور الأسرة وإصدار تعليمات بمنع مشاهد الدم والقتل في الأعمال الفنية، وإعادة إنتاج أفلام ومسلسلات تعيد للذهن المجد وتطرح دور الأسرة وترابطها، وأفلام كرتون تعيد بناء ورسم شخصيه أطفالنا وتشجيع كليات الحاسبات علي تصميم ألعاب جاذبة تبعد عن مشاهد الدم والقتل، مع سرعة العدالة الناجزة.
الدم المصري لا يمكن أن يراق بكل هذه السهولة ونحن نشاهد ولا نكترث فسأكرر لا تسيروا علي جثث الضحايا.
……………………………………………………………………………………………………………..
كاتب المقال: أستاذ مساعد بمعهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية