الربيع إسماعيل يكتب: مراحل عملية التعلم وفخ استعجال النتائج

أعجبتني تلك القصة التي تحكي عن شاب متوقد الحماس ذهب يوماً إلى أحد معلمي الزن ليسأله قائلاً : “أتُرى لو أنني كنت أعمل بجد، كم من الوقت سيتطلب الأمر لأصبح مستنيراً ؟”

نظر إليه سيد الزن ثم لأعلى ولأسفل، ثم رد عليه قائلاً : “عشر سنوات”.

• رد الشاب : “ماذا..؟؟؟ لا … اسمع ، أعني إذا كنت أعمل بجد و اجتهاد ، فإلى متى…”

قاطعه المعلم : “أنا آسف. لقد أخطأت في الحكم.
عشرون سنه.”

“انتظر!” قال الشاب: “يبدو أنك لم تفهمني بعد ! أعني إذا عملت بجد…..”

قاطعه المعلم مرةً أخرى : “آااه…فهمت … بالنسبة لك انت بالذات ، ثلاثون عامًا”.

لعل تلك الحكاية إستهلال جيد لما سأدونه بين السطور ، فكما ترى كيف أن البعض مهووس بالنتائج و الصورة النهائية حد التوقف في أولى مراحل التعلم، لذا و حتى لا تقع في ذاك الفخ دعني أشاركك تلك المراحل الأربعة لعملية التعلم و كيفية تطبيقها و التعامل معها حتى لا يكون حالك كحال صاحبنا المذكور آنفاً.

• مرحلة عدم الكفاءة اللا واعي :

و هي المرحلة الأسهل و الأبسط أثناء سير العملية ، فببساطة نحن لانعرف ما لا نعرف، كل ما تدركه هنا هو الرغبة المشتعلة في تعلم مهارة ما.

و لنفترض أنك تود تعلم العزف على آلة البيانو مثلاً، لربما البحث المتكرر على “جوجل” سيفي بالغرض للخوض في التجربة أثناء هذه المرحلة.

لكن الخطوة العملية تبدأ في المرحلة الثانية.

• مرحلة عدم الكفاء الواعي :

قد تكون هذه هي المرحلة الأكثر تعقيداً أثناء عملية التعلم ، لأنها مرحلة النزول إلى أرض الملعب و التطبيق العملي، في المرحلة الأولى كان كل ما عليك هو إبداء الإهتمام أما هنا فالتطبيق العملي لسير العملية التعليمية هو ما يمثل هذه المرحلة، حيث لا يمكنك أن تقبع في مشاهدة مقاطع على اليوتيوب عن كيفية تعلم البرمجة و المسارات البرمجية فقط، عليك البدء و كتابة أول سطر برمجي.

أعرف صديقاً ظل لنصف عام يبحث عن أفضل مسارات تعلم البرمجة و أهم اللغات البرمجية، ثم توقف عن البحث لاحقاً دون الخوض في المرحلة الثانية.

عليك الدخول إلى دهاليز تلك المهارة ، ففي مثال تعلم البيانو مثلاً، هنا في هذه المرحلة ا ستبدأ بتعلم أساسيات البيانو ، وبعض المفاتيح.

ببساطة الممارسة هي ما يحكم هذه المرحلة.

• مرحلة الكفاءة الواعية :

هنا ستبدأ بإكتساب شئ من الثقة بفعل التكرار ، فقد تكون بإستطاعتك تجاوز الخطوات الأساسية للعزف على البيانو مع قليل من الأخطاء بدون تذكير من المدرب، في هذه المرحلة.

ستشعر بتدفق الدوبامين يسري في جسدك ، مشهدٌ آخر نحو الصورة التي رسمتها بدأ في الظهور.

لكن اتدري ما الذي ينقصك هنا ؟

هو اللاوعي فقط … أن تصبح أزرار البيانو جزء من طبيعتك الثانية Second Nature كما تقول د. آنجلا.

و هذه الحالة لا يمكنك إستدراكها إلا عند الوصول للمرحلة الرابعة و الأخيرة.

• مرحلة الكفاءة اللا واعية :

هذه هي المرحلة الأخيرة من مراحل عملية التعلم سميت بالكفاءة اللاواعية لأن الممارسة فيها تكون بلا تفكير أو تذكر.

و التي تكون فيها قد تشبعت من تكرار الممارسة و أصبحت في حالة الطيار الآلي Auto pilot ، ستصبح حينها أزرار البيانو بالنسبة لك جزء من كيانك الداخلي.

هي مرحلة الإبتكار الحر Free Style حين لا تشعر بمرور الوقت.

هي حالة المزيج ممن التدفق Flow و العمل العميق.

وتذكر أمراً واحداً يا عزيزي أن تستمتع بكل تفاصيل الرحلة في كل المراحل.

لا تتعامل مع كل مهارة أو حقل معرفي كتعامل ذاك الشاب الباحث عن المشهد الأخير لرحلة التعلم و كم من الوقت يستغرقه للوصول هناك.

فأنت حينما تذهب لمشاهدة فيلم لا تنتظر فقط لترى المشهد الأخير لنهاية القصة، بل تستمتع بكل مشهد فيه.

إلا أننا بكل أسف لا نتعامل مع الحياة و التعلم بنفس الطريقة.

كتب ذات مرة الشاعر جون أودونهاو:

“نحن مشغولون جدًا بإدارة حياتنا، وننسى هذا اللغز العظيم الذي نشارك فيه.”

اقرأ ايضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى