استغلال التكامل الاقليمي الإفريقي يساهم في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي الأخضر
كتب – علي يوسف
أجمع المشاركون بورشة عمل “تطوير سلاسل القيمة في اطار منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية كمبادرة لمواجهة تغير المناخ” ضمن فعاليات منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي Egypt-ICF2022 على أهمية تحقيق التكامل الاقتصادي للقارة الإفريقية لاسيما في وقت يشهد فيه العالم تغيرات مناخية خطرة تؤثر على كل قارات العالم، فيما يجب على الدول الإفريقية استغلال التقارب المكاني، والإمكانيات والموارد الخاصة بالقارة لتحقيق تكاملاً اقتصاديًا وخفض الانبعاثات الكربونية حيث تعد القارة هي المنطقة الأكثر تأثرًا على مستوى العالم بالتغيرات المناخية.
اقرأ أيضا.. مدبولي يتابع استعدادات استضافة منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي
أكدوا أيضًا أن هناك أيضًا فرصة لأفريقيا للمساهمة في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من خلال تعزيز توطين وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية في القارة. على سبيل المثال ، تعد صناعة الشحن واحدة من الصناعات التي تساهم كثيرًا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويتم شحن العديد من السلع الأفريقية إلى بلدان ثالثة لمعالجتها ثم إعادة استيرادها إلى القارة كسلع تامة الصنع. تشمل هذه المنتجات الزيوت والمعادن المختلفة وحتى المنتجات المصنعة بالزراعة. في هذا السياق ، هناك إمكانية لاستخدام منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لتعزيز توطين وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية بهدف مزدوج هو تحفيز التصنيع مع إزالة الكربون في نفس الوقت.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن بناء قطاع تجاري وصناعي تنافسي منخفض الكربون سيشمل أعمال تصنيع صديقة للبيئة جديدة ، وبالتالي فتح آفاق استثمارية جديدة. أخيرًا ، يمكن أن يساعد دمج سياسة المناخ ومعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في تمويل التجارة وأنشطة الاستثمار في دعم السياسة الصناعية في إفريقيا ، لا سيما لتشجيع استثمارات الطاقة المتجددة وصادرات تكنولوجيا المناخ الأخرى.
ومن جانبه قال دكتور جينمور زاناموي، رئيس مبادرة التجارة البينية بالبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد “افريكسم بنك”، إن القارة الإفريقية تحوي الكثير من الموارد من المعادن والسلع الزراعية لكنها تصدر خارج القارة، فحوالي ٨٠٪ من السلع تصدر في شكل مواد خام لذا فإن إفريقيا تصدر وظائف وتنمية، وإذا تم تصنيع هذه السلع داخل القارة، ستتمكن من حل المشكلة الخاصة بالتصنيع التي تعاني منها فضلا عن مشكلة تغير المناخ.
وضرب زاناموي خلال كلمته مثالا بالحديد الخام؛ والذي يستخرج من الأرض في افريقيا ويصدر للخارج، قائلا إن هناك أحجام مهولة من هذا المعدن التي تُشحن للخارج، بينما تتراجع فرص تصنيعها في دول صناعية كثيفة السكان والعمالة مثل مصر أو نيجيريا.
واوضح أنه بتوطين صناعة السيارات في مثل هذه الدول ستقل الكميات التي تشحن في السفن، وبالتبعية الانبعاثات الصادرة عن عمليات النقل، قائلا “نريد أن تساعدنا أوروبا وآسيا على توطين الصناعات في القارة لمصلحة الجميع”.
واضاف أن اتفاقية التجارة الحرة الافريقية فتحت المجال لتطوير سلاسل القيمة، فتم البدء بصناعة السيارات، والتي يؤدي عدم نمو تصنيعها على النحو المطلوب لاستيراد الكثير منها، ويستدعي الحديث عن تغير المناخ الحديث عن تصنيع بطاريات الليثيوم الذي يتم في القارة الافريقية، ويساعد في توفير السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية النظيفة، كما تصنع بإفريقيا الاسلاك التي تستخدم في هذه الصناعة، لذلك فإذا لم تشحن المعادن الثقيلة الأساسية لهذه الصناعة خارج القارة، سيكون من السهل توطينها بداخل افريقيا لتدعيم انتشار هذه السيارات الصديقة للبيئة.
من جانبه قال المهندس هاني سنبل، رئيس المؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة، إنه مع اتباع الدول الإفريقية لاستراتيجيات تصنيع طموحة واعتمادها بشكل كبير على التصدير للأسواق الخارجية، فإنه ليس أمام إفريقيا خيار سوى ضمان حماية المناخ في عملياتها التنموية بتكلفة مالية كبيرة، في الوقت الذي تفتقر إلى التمويلات بشكل حاسم
وأشار سنبل، إلى أنه مع ذلك يظل هناك تفاؤل باستراتيجيات النمو البديلة، لا سيما تلك التي تشجع سلاسل القيمة الإقليمية، مؤكدا أن المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تشارك بقوة في المشاريع داخل المنطقة الأفريقية، وفي التجارة البينية فيما بين الدول.
وذكر أن التحديات الماثلة أمام أفريقيا هي الرغبة في التوسع في التصنيع في سياق بيئة عالمية تعمل للحد من ثاني أكسيد الكربون، فيما تزداد الحاجة إلى التمويل للتكيف مع تغير المناخ، مشيدًا بمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية AFCFTA ومبادرات التكامل الإقليمي لتطوير سلاسل القيمة الإقليمية وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
وأشار إلى أن التأثر الحالي في الطقس نبه العالم إلى أنه يشهد بالفعل تغير المناخ؛ حيث كان عام 2019 هو ثاني أكثر الأعوام دفئًا على الإطلاق، في حين كان العقد من 2010-2019 هو الأكثر دفئًا وجلب معه حرائق غابات وأعاصير وجفاف وفيضانات وكوارث مناخية أخرى عبر القارات. وتابع سنبل أنه بالتساؤل عما يعني ذلك لأفريقيا، نجد أن هناك تحديان تواجههما أفريقيا وفرصة عظيمة متاحة في هذا السياق.
فالتحدي الأول هو الحاجة إلى إعادة التفكير في نهج التنمية وتكييفه مع الواقع المستمر، وهو ما عملت عليه عدد من الحكومات الإفريقية مؤخرًا لتطوير اقتصاداتها لخلق فرص العمل والثروة، وتم تكرار هذا النهج في جميع الأطر الاستراتيجية الرئيسية، مثل أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي واتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
وأشار إلى أنه بما أن القارة لا زالت تعتمد بشكل كبير على السوق الخارجية، فإن ذلك سيتطلب التكيف مع بيئة التزم فيها الشركاء التجاريون والصناعيون العالميون بأهداف طموحة لحماية المناخ، ومن المفارقات أن إفريقيا تتأثر بشكل غير متناسب مع تأثيرها الاقتصادي على المناخ، حيث إنها مسؤولة عن 2 إلى 3 ٪ فقط من الانبعاثات العالمية، وعليها الآن أن تبذل جهدًا كبيرًا ومكلفًا للاستجابة عبر تدابير التكيف وتقليل المخاطر وبناء القدرة على الصمود.
وأضاف سنبل أن التحدي الثاني هو المبالغ الهائلة من الأموال المطلوبة للتكيف مع هذه التغييرات، حيث يُقدّر أحدث تقرير عن فجوة التكيف لعام 2021 احتياجات التكيف من البلدان النامية بين 140-300 مليار دولار بحلول عام 2030. وقد تصل تكاليف التكيف بما بين 280 – 500 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2050 للدول النامية وحدها، وهذا يعني أن مستوى تمويل التكيف الذي قدمته بنوك التنمية متعددة الأطراف، والذي قُدر في عام 2020 بنحو 16.1 مليار دولار أمريكي أو 24٪ من إجمالي تمويل المناخ بعيد عن أن يكون كافياً لتلبية احتياجات التكيف في دولنا الأعضاء، وكثير منها في أفريقيا.
وتابع قائلا “بالطبع تكشف أزمة المناخ والاحتياجات التمويلية الناتجة عن وجود فجوات ونقاط ضعف كبيرة في بلداننا الأعضاء، كما تذكرنا بالأهمية الكبرى لتقوية التكامل الاقليمي لتقليل التبعية للأسواق الخارجية؛ فمشروع تكامل عموم إفريقيا هو خطوة كبيرة إلى الأمام يمكن أن تحقق هذا الهدف.”
وشدد على أن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) هي الأمل، ويجب أن تصنع تحولا باعتبارها أكبر منطقة تجارة حرة من حيث عدد البلدان المشاركة، حيث يمكن لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أن تعمل على جذب الاستثمارات الأفريقية في إنتاج ذي قيمة مضافة أعلى ، وتوليد نمو مدفوع بالابتكار وريادة الأعمال من خلال ربط الأسواق في أفريقيا، كما يمكن للتكامل الإقليمي من خلال العضوية في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أن يربط قارة أفريقية سعيًا لتحقيق نموذج بديل للنمو.
قال هيبوليت فوفاك كبير الاقتصاديين ببنك التصدير والاستيراد الأفريقي، إن البنك يعمل منذ نحو 9 سنوات عن كثب مع البنك الأفريقي للتنمية والمؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة (ITFC) لدعم وتعزيز التنمية في أفريقيا ومجابهة تحديات المناخ.
أضاف أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على سلاسل القيمة، وبالنظر إلى الوراء نرى “كيف وصلنا لما هو عليه الآن وماذا حدث في سلاسل القيمة”. وأوضح “فوفاك”، أنه بالنظر إلى 40 عاماً ماضية فإن الخطط التي ترشد التجارة العالمية جلبت فائدة كبيرة فيما يتعلق برفاهية البلدان التي تمكنت من دمج أنشطتها التجارية وشهدت زيادة في تعاملات التجارية.
وأكد فوفاك على الاهتمام بالديناميكية وما يحدث في سلاسل القيمة العالمية لا سيما في ظل مخاطر تقسيم الإنتاج العالمي، بعد جائحة كورونا وأهمية التركيز على الموردين ومواجهة المخاطر التي تقوض سلاسل القيمة العالمية.
وقال كبير الاقتصاديين ببنك التصدير والاستيراد الأفريقي “افريكسم بانك”، إن البنك عمل على مجابهة هذه التحديات بعد الجائحة وجلب سلاسل القيمة إلى أفريقيا، رغم الزيادة الكبيرة في أسعار الشحن. وأضاف فوفاك، أن الشحن ينتج أكثر من مليار طن من الكربون، ولا بد من النظر إلى هذه الانبعاثات الكربونية.
من جانبه قال لاندري سيني زميل أول قسم الاقتصاد العالمي والتنمية في مبادرة النمو في أفريقيا، إنه فيما يتعلق بمنطقة التجارة الحرة الأفريقية فإن هناك 60 تريليون دولار سيتم توليدها إذا أصبحت أفريقيا منطقة تجارة حرة وأن تتجه تلك المنطقة إلى الاقتصاد الأخضر. وأكد لاندري سيني، في مشاركته عبر الفيديو، على أهمية إزالة عوائق التجارة بين الدول الأفريقية والتي من شأنها تسهيل التجارة وتحسين تقديم الخدمات، مع أهمية التركيز على قواعد حماية البيئة، وتشريع القوانين التي تعزز حماية المناخ.
من جهته قال ليونيل رابايل مدير عمليات دول الجوار في بنك الاستثمار الأوروبي، إن البنك يعمل على دعم القطاع الخاص للاستفادة من أفريقيا عبر تقديم التمويل له. وأضاف، أن الاستدامة والبيئة والعمل المناخي عوامل تؤثر على سلاسل القيمة، ويجب النظر إلى قطاع النقل والبنية التحتية وربط هذه القضايا بالاستدامة، لأن الاستثمار في الطرق سيضمن سهولة التنقل ويعزز المناحي الأخرى المتعلقة بالاقتصادي الدائري.
وأوضح رابايل، إنه بالنظر إلى زيادة النمو السكاني عالميا فإن الأمم المتحدة تبين أن الموارد غير كافية لمجابهة هذا النمو، لذلك لا بد من خفض استخدام الموارد من خلال الاقتصاد الدائري في ظل وجود الكثير من الفرص لتقليل الانبعاثات وتعظيم فرص استغلال المنتجات وإطالة عمرها.
وأكد مدير عمليات دول الجوار في بنك الاستثمار الأوروبي، على النظر إلى سلالسل القيمة بداية من الإنتاج حتى تصل إلى المستهلك.
وأوضح أن أفريقيا بها الكثير من الفرص، ويسعى بنك الاستثمار الأوروبي إلى مشاركة تبادل الخبرات المتعلقة بالاقتصاد الدائري وتمويل مشاريع إعادة التدوير وتعزيز تمويل القطاع الخاص، مع توفير تمويل طويل الأمد في دول أفريقيا ومنها مصر.
وقال الدكتور هيرموجين نسينجيمانا الأمين العام للمنظمة الأفريقية للتوحيد القياسي، إن علبة القهوة في أفريقيا لكي تصل إلى أي دولة أفريقية تحتاج إلى معايير بيئية محددة وهذه تكلفة مضافة إلى التصنيع، لذلك يجب أن يكون لدى أفريقيا علامة بيئية مسجلة تستجيب لاحتياجات السوق، ولذلك تعمل المنظمة على وضع تلك المعايير في عدد من الصناعات مثل صناعة الكاكاو ومصايد الأسماك وقطاع السياحة.
وضرب مثلاً بأوغندا عندما بدأت الزراعة العضوية كانت ميزة مكنتها من تحقيق تطورًا اقتصاديًا ومن هنا يمكن تطبيقها في الاقتصادات الأفريقية الصغيرة بما يمكنها من الوصول إلى الأسواق العالمية.
وقال الدكتور هيرموجين نسينجيمانا، إن أفريقيا تستهلك ما لا تنتجه، وهناك 6 أمور يجب تطبيقها في القارة لتعزيز التصنيع، وهي الابتكار مع الملكية الفكرية، وثانيا إنتاج منتجات ذات جودة عالية، ثم صناعة ما يتطلبه السوق، وأن يكون بتكلفة جيدة ومتوسطة مع ضرورة وجود إطار تشريعي يستجيب للصناعة واحتياجات القطاع الخاص، لأنه إذا لم يكن القطاع الخاص قادراً على الوصول إلى الأسواق لن تتحقق الاستدامة.
وأضاف الأمين العام للمنظمة الأفريقية للتوحيد القياسي، أن مؤتمر COP 27 المقرر انعقاده في مصر بعد نحو شهرين سيناقش مبادرة “صنع في أفريقيا” والملكية الفكرية والجودة وقاعدة بلد المنشأ.
من جانبه أكد يحيي الواثق بالله رئيس جهاز التمثيل التجاري بوزارة التجارة والصناعة، أنه لابد من ايجاد حلول غير تقليدية للتحديات واستغلال التكامل الاقليمي بما يساهم في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي الأخضر في القارة الافريقية.
وأضاف في كلمته والتي القاها نيابة عن وزير التجارة والصناعة المهندس أحمد سمير أن المشاركة الفعالة في سلاسل القيمة العالمية سيساهم في دعم التنمية، والهدف الثاني من أهداف ٢٠٦٣ للاتحاد الافريقي، والممثل في تدعيم التكامل للقارة الافريقية والتعاون الاقتصادي.
وذكر أنه عند الحديث عن الاقتصاد الاخضر، فإن هناك عدد كبير من المبادرات مثل المبادرة الافريقية للطاقة المتجددة التي اطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الأطراف COP21 في باريس عام 2015، لتوفير طاقة نظيفة باسعار معقولة، ومبادرة أخرى اطلقها بنك التنمية الافريقي، وهناك مبادرات أخرى وهذه ليست سوى البداية، قائلا “لدينا عناصر ومعادن هامة من الضروري أن تدخل في صناعات خفض الكربون مثل السيارات الكهربائية من أجل التصنيع الأخضر المستدام، والتي من شأنها خلق أعداد كبيرة من الوظائف ورفع مستوى معيشة المواطنين”.
وانطلقت فعاليات فعاليات النسخة الثانية من منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي Egypt-ICF2022 واجتماع وزراء المالية والاقتصاد والبيئة الأفارقة، بالعاصمة الإدارية الجديدة، تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، حيث تنظمه وزارة التعاون الدولي، بالشراكة مع وزارات الخارجية والمالية والبيئة، وبالتعاون مع اللجنة الاقتصادية لأفريقيا بالأمم المتحدة.
وتتماشى أهداف منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي، مع الهدف الرئيسي لقمة المناخ COP27 في مصر والذي يعمل على دفع جهود المجتمع الدولي للانتقال من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ، والترابط الوثيق بين التنمية والعمل المناخي، وفي هذا الصدد فإن Egypt-ICF2022 يضع ثلاثة أهداف رئيسية أولها؛ حشد الموارد وتيسير الوصول إلى التمويل، وثانيًا: تمويل أجندة التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية، وبحث الجهود والتدابير الوطنية.