لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية إلى النفق المظلم

فجأة دخلت الحرب الروسية الأوكرانية إلى نفق مظلم، لا يبدو فيه أي بارقة ضوء، رغم ما بدا منذ ثلاثة أشهر من احتمالية الوصول لحل للمشكلة، عندما أعلنت روسيا شروطها الخمس للحل، أولها أن تعلن أوكرانيا حيادها، مثلها مثل سويسرا، على سبيل المثال، وثانيها إعلان أوكرانيا عدم انضمامها لحلف الناتو، أو أي أحلاف عسكرية أخرى مع أمريكا، والدول الأوروبية. أما ثالث الشروط فتمثل في اعتراف أوكرانيا بحق روسيا في شبه جزيرة القرم، ورابعاً اعتراف أوكرانيا بحق جمهوريات لوغانيسك، ودونتسك، في الاستقلال، وأخيراً تعهد أوكرانيا بعدم امتلاك السلاح النووي مستقبلاً، واشترطت روسيا أن تكون موافقة أوكرانيا على تلك الشروط من خلال برلمانها.

وخلال مباحثاتها مع المفاوض التركي، أبدت أوكرانيا، موافقتها على الشروط الثلاثة الأولى، ورفضت، تماماً، الموافقة على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وأعلن الرئيس الأوكراني أن الموافقة على ذلك الشرط يعد خيانة للشعب الأوكراني، لن يقبلها، أبداً، ما بقي على قيد الحياة. أما شرط الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين؛ فقد اقترح المفاوض التركي منحهما الحكم الذاتي، في إطار الدولة الأوكرانية. ومع احتمال تجميد موقف شبه جزيرة القرم، ليتم بحثه مستقبلاً، خاصةً وأنها تحت السيطرة الروسية، حالياً، توقع البعض الوصول إلى حل في المستقبل القريب، وتوقيع اتفاقية السلام المنتظرة.

إلا أن الأمل لم يدم طويلاً، إذ تعقدت الأمور، عندما رفضت الولايات المتحدة أن يتم هذا الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا، فإذا بالرئيس الروسي، بوتين، يكثف عملياته العسكرية، حتى سيطر على إقليم دونباس، بالكامل، لترتفع نسبة الأراضي الأوكرانية الواقعة تحت السيطرة الروسية إلى 20%. ورغم نجاح أوكرانيا في الهجوم المضاد، في عملية محدودة، على الدفاعات الروسية، إلا أن بعض المحللون، يرون أن أوكرانيا قد ورطت نفسها بتلك العملية، التي اعتمدت فيها على دقة المعلومات التي جمعها الجانب الأمريكي، بواسطة الأقمار الصناعية، حول الأوضاع الدفاعية للقوات الروسية، وحددت القيادة الأمريكية نقاط الضعف في الدفاعات الروسية، وأنسب الأماكن لاختراقها، ووضعت خطة الهجوم، التي نفذتها القوات الأوكرانية باستخدام الأسلحة الأمريكية الجديدة. فرغم نجاح العملية، إلا أن القيادة الروسية لم تهتز لها، بل وتحولت إلى تنفيذ استراتيجيتها الجديدة، المعتمدة على إطالة زمن الحرب، حتى أوائل العام القادم، على أقل تقدير، لتنفيذ خطتها في منع الغاز عن الدول الأوروبية.

وفي نفس الوقت، فجرت روسيا مفاجأة ثانية، بقيامها بإجراء استفتاء في الأقاليم الأربعة لدونباس، وهم جمهوريتي دونيتسك، ولوجانسيك الشعبيتين، وإقليمي خيرسون، وزابورجيا، رغم معارضة الولايات المتحدة، والدول الأوروبية على هذا الاستفتاء، تطبيقاً للقانون الدولي، الذي لا يعترف بنتائج الاستفتاءات تحت ظروف الاحتلال، إلا أن روسيا أكملت الإجراء، مثلما فعلت عند ضم شبه جزيرة القرم، في 2014، واليوم ستضم الأقاليم الأربعة، بعد موافقة “الدوما”، أو البرلمان الروسي، لتصبح أراض روسية. ورغم إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الولايات المتحدة أمريكية لن تسمح بهذا القرار الروسي، وأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة، مهما وصل مداها، لمنع روسيا من ضم تلك الأراضي التي تعادل حوالي 15% من مساحة أوكرانيا، إلا أن الكثيرون يرون أن الإجراءات الأمريكية لن تتعدى مزيداً من العقوبات ضد روسيا، في ظل الحذر الأمريكي من اتخاذ إجراءات قد تؤثر سلباً على النتائج المرتقبة للتجديد النصفي للكونجرس خلال الشهرين القادمين.

وحتى وإن انضمت تلك الأقاليم إلى الأراضي الروسية، فلا يعني ذلك استقراراً في الأوضاع، بل ينتظر أن تزداد الأمور تعقيداً؛ فتخيل معي، عزيزي القارئ، السيناريوهات المحتملة لأي محاولة أوكرانية لمهاجمة تلك الأقاليم لاستردادها، فحينها ستعتبر روسيا ذلك اعتداءً على أراضيها، وهو ما لن تتهاون، أبداً، في الرد عليه بمنتهى القسوة، قد تصل إلى توجيه الضربات العسكرية في عمق الأراضي الأوكرانية، ضد الأهداف المدنية، مثل مهاجمة محطات الكهرباء، والمياه، والسكك الحديدية، والطرق الحيوية، بهدف شل المجتمع المدني الأوكراني، والضغط على الرئيس زيلينسكي، وعلى حكومته.

ومن المتوقع أن يتزامن كل ذلك، مع دخول فصل الشتاء القارس، الذي بدأ يقرع أبواب الدول الأوروبية، واحتياج الدول الأوروبية للغاز الروسي، خاصة لأغراض التدفئة، إذ تعول روسيا على غضب الشعوب الأوروبية ضد حكوماتها، وما يمثله من قدرة لإجبار تلك الحكومات للتخلي عن دعمها لأوكرانيا، ما دام يتعارض مع مصالح الشعوب الأوروبية، وهو ما كان الهدف الاستراتيجي لروسيا خلال الشهور الماضية، والذي بنت عليه استراتيجيتها لإطالة زمن الحرب، مع استغلال عدم قدرة الإدارة الأمريكية على اتخاذ قرارات عسكرية حاسمة ضد روسيا قبل ظهور نتائج التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي.

وهكذا، فقد دخلت المشكلة الروسية الأوكرانية إلى النفق المظلم، الذي لا تُرى نهايته، في المستقبل القريب، وصار أمل الوصول إلى حل، أو اتفاق بشأنها، بعيد المنال، وصارت مثل الشوكة في قلب أوروبا، وانسحبت آثارها على العالم كله، فما من دولة حول العالم، إلا وطالتها مغبات الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة على الصعيد الاقتصادي … وصار العالم في حالة ترقب لما ستسفر عنه الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة، في ظل تشابك الخيوط، واختلاط المصالح، وعدم وضوح الرؤية.

Email: [email protected]

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى