طارق متولى يكتب: الأم السلك
إلى الأمهات الصالحات اللاتى يردن أن يربين أطفالهن تربية سليمة يحققن فيها أكبر درجات الإنجاز لخلق جيل سوى ناجح يحقق ما نتمناه من تقدم على جميع المستويات.
سوف نتكلم فى هذا المقال عن عامل من أهم العوامل فى تنشئة الأطفال تنشئة جيدة وسليمة ألا وهو النمو الوجدانى والعاطفى لدى الطفل هذا النمو الذى يشكل سلوكه وطبيعة شخصيته فى جميع أطوار حياته.
وإذ ينشأ الشعور والعاطفة لدى الطفل بعد ولادته مباشرةً يبدأ بالشعور بنفسه والأشياء المحيطة من حوله وتكون الأم فى هذه المرحلة الحرجة جدا من حياته هى اقرب الأقربين إليه، فهو يتعلق بها لأنها تمده بالغذاء والشعور بالأمان والحماية وينشأ لديه مايعرف لدى علماء النفس براحة الإلتصاق لذلك تجد الطفل الرضيع فى هذه الفترة لا يشعر بالهدوء والسكون إلا إذا أخذته الام بين يديها وفى حضنها والتصق بجسدها .
قام علماء النفس بعمل دراسات كثيرة حول هذا الموضوع ليكشفوا عن تعلق الطفل بأمه وما إذا كانت بسبب التغذية أو بسبب الراحة والشعور بالإلتصاق كما يسمون هذه العاطفة
فى تجربة أجراها عالم النفس الأمريكى الشهير هارى هارلو وفريق عمله عمدوا إلى تربية بعض صغار القردة من غير امهاتها بحيث يطعموها من زجاجة ويجعلوها تعيش وحيدة فى أقفاص فردية ولكى يسهلوا على القردة الرضع حياتها فى الأقفاص قاموا بتغطية أرضية الأقفاص الصلبة بطبقات من قماش القطن الذى يستخدم فى عمل الفوط وعندئذ تسنى لهم أن يشهدوا شيئا طريفا وهو أن القردة الرضع، أخذت تتعلق وتتشبث بهذه الطبقات من القماش فتمسكها وتغضب إذا انتزعت منها وكان السلوك شبيها إلى حد ملحوظ بسلوك الطفل الصغير مع بطانيته أو لعبته التى تمثل أمنه وطمأنينته والتى لابد أن يصحبها إلى سريره حين ينام.
وبدا وكأن هناك حاجة مباشرة إلى راحة الإلتصاق ليس لها علاقة بالتغذية بعد ذلك أراد هارلو وأعوانه أن يختبروا صحة هذه الملاحظة بطريقة عملية فقاموا بصنع اثنين من الأمهات البديلات، الأولى كانت عبارة عن اسطوانة من شبك السلك المعدنى بها فتحة لزجاجة رضاعة فى منتصف الصدر وأطلقوا عليها الأم السلك، وأما الأخرى فكانت قطعة من الخشب لها نفس الشكل مغطاة بنسيج من القطن أطلقوا عليها الأم القطن ثم أضافوا إلى كل واحدة منهما وجه قرد لطيف.
وقاموا بعد ذلك بوضع الأم السلك والأم القطن فى قفص مع مجموعة من صغار القردة الرضع على أن تتغذى نصف المجموعة من الأم السلك والنصف الأخر من الأم القطن فوجدوا ما يلى :
إن القردة التى تتغذى من الأم السلك سرعان ما يبتعدوا عنها وتذهب مع النصف الآخر ليتعلقوا بالأم القطن .
وفى تجربة أخرى وضعوا صغار القردة فى البداية بدون أم، فقط قدموا لها الغذاء ثم وضعوا معها الأم البديلة من القطن فوجدوا أن تعلق القردة بها لم يكن إلا قليلا وكأنها اعتادت على الحرمان من البداية .
استدل العلماء من هذه التجارب أن عملية النمو الوجدانى والتعلق العاطفى هذه التى تنشأ لدى الطفل الرضيع هى التى تساعده فيما بعد على نمو عاطفته تجاه الآخرين وتجاه المجتمع.
أيضا قامت الطبيبة الأمريكية الشهيرة مارجريت بيل فى فترة الستينيات بدراسة حالة ستمائة طفل تربوا أما بدون أمهات، أو مع أمهات غير صالحات، فوجدت أن غالبيتهم ليس لديهم تعلق عاطفى تجاه أحد، وأنهم يميلون للعزلة والإكتئاب والعنف .
حتى فى دور الأيتام التى توفر للأطفال الطعام والشراب ولا توفر لهم الرعاية العاطفية وجدوا أن هؤلاء الأطفال يشبون مشوهين عاطفيا ووجدانيا، وأن معظمهم يفضل الإنزواء ويفقد الشهية للطعام وتضعف أجسامهم .
وفى عالمنا المادى الحالى وبسبب انشغال كثير من الأمهات فى الأعمال والمجتمع، نجد أن كثيرا من الأمهات أصبحن مثل الأم السلك التى لا يتعلق بها أطفالها مما يسبب لهم قصور فى النمو العاطفى والوجدانى الذى يؤثر بدوره على حالتهم النفسية والبدنية طيلة حياتهم .