محمد جادالله يكتب: قُطوف أًٌٌَََُُُخلاقية لَا تَسْمَنُ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ
أطلقت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية حملة “اخلاقنا الجميلة” وذلك تأكيدًا وإيمانًا منها على القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، وتمثلت هذه الحملة في نشر هذه القيم في صورة مقولات لمفكرين او لرجال دين أو لفلاسفة.
وتُذاع هذه المقولات على عدد لا بأس به من القنوات الفضائية، وذلك تحقيقًا للهدف المرجو منه لهذه الحملة.
كما كُتبت عن هذه الحملة في معظم الصحف والمواقع الإخبارية، وسنورد هنا عزيزي القارئ بعض مما قيل وكُتب عن هذه الحملة.
نذكر على سبيل المثال لا الحصر، ما كُتِبَ على موقع اليوم السابع مُنذُ بدء اليوم الأول من الحملة، في يوم الإثنين الموافق 19 سبتمبر 2022م: “في إطار دورها المجتمعي الهام، تطلق الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، حملة جديدة بعنوان “أخلاقنا الجميلة” على عدة مراحل، وتستهدف التأكيد على الأخلاق التي تربينا عليها، وتأمر بها جميع الأديان السماوية والإنسانية، من احترام الكبير وحسن الجيرة وحسن المعاملة والأمانة والشرف والأدب في التعامل. الحملة تنطلق على عدة مراحل، عبر وسائل المتحدة للخدمات الإعلامية المختلفة، والهدف منها تربية أجيال جديدة على القيم والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة، وتذكير الأجيال الحالية بما تربينا عليه من قيم إنسانية”.
كما نشرت جريدة الوطن على الموقع الإلكتروني لها حوارًا مع الكاتب الصحفي حلمي النمنم، تحت عنوان: «أخلاقنا الجميلة».. إشادة واسعة بمبادرة «المتحدة» لاستعادة القيم الأصيلة.
وأشاد الكاتب الصحفي حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق بمبادرة «المتحدة» لنشر مكارم الأخلاق، مؤكداً أن القيم الأخلاقية الرفيعة في الشعب المصري موضع اتفاق ولا ينكرها أحد، فلا أحد يبيح الكذب والسرقة، لكن المشكلة قادمة من سلوكيات بعض الناس التي تبعد عن القيم الأخلاقية وهذه السلوكيات تحتاج لنوع من التقويم، مضيفاً: قد يكون التقويم بالتدخل القانوني والتشريعي، ونوع آخر بالوعظ والإرشاد وثالث بتقديم عمل فني ينهض بالمشاعر والأحاسيس.
وطالب «النمنم» المتحدة بإطلاق مبادرة مع المجلس الأعلى للإعلام وهيئات الإعلام والصحافة الأخرى، من أجل وضع معايير لنشر أخبار الجرائم الخلقية وألا تصبح تريندات، مؤكداً أن التوسع في نشرها والمبالغة مما يمثل اختراقاً صارخاً للأخلاق، ويجعل لدى بعض أصحاب النفوس الضعيفة مبرراً لفعل تلك الوقائع القبيحة.
كان هذا هو مجمل حديث الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وهو موجود على موقع جريدة الوطن يوم الجمعة الموافق 7 أكتوبر 2022م. ولكن يطرأ علينا تساؤل هنا، هل تكفي هذه الحملة من بث الاخلاق القويمة بيننا؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤل، سنقوم بعملية تفسير لِمَا نُشِرَ حول هذه الحملة.
عزيزي القارئ، إذا تأملنا ما نشرته جريدة اليوم السابع الإلكترونية، والحوار الذي أُجري مع الكتاب الصحفي حلمي النمنم، سنجد أن المكتوب يختلف تمامًا عن الواقع الفعلي، وبعبارة أخرى، أن الواقع يتضاد عما كُتِبَ عن هذه الحملة. إذا تأملنا ونحن نُشاهد قنوات التلفاز سنجد أنها تعج وتنضب، بل وغارقة في كثير من المشاهد والإيحاءات الخارجة.
دون مبالغة ودون تحيز لعمل درامي أو سينمائي، سنجد أن معظم ما يُقدم على شاشة التلفاز أو ما يُعرض على المنصات الرقمية، تكاد لا تخلو من إباحيات ومشاهد خارجة، وبعبارة أخرى، كيف تستقيم وتفلح ويتحقق نجاح ما تدعو إليه المؤسسات الدينية (الإسلامية – المسيحية) متخذه الخطاب الديني آداه لها، وسط بعض الأعمال السينمائية وما بها من إباحيات ومشاهد خارجة، نستطيع أن نجزم بأنها لا أخلاقية من الألف إلى الياء؟.
لن أقول أين الدور الرقابي على مثل هذه الأعمال التافهة، ولكن أقول اين دور الأزهر باعتباره مؤسسة دينية مسؤولة في المقام الأول عن تشكيل وعي شباب هذه الأمة؟
لكن دعونا نتساءل كيف للمشاهد أن يشاهد حلقة دينية عن الإيمان بالله والعقيدة والأخلاق ومعاملات النبي – صلى الله عليه وسلم – والعفة وغيرها من الموضوعات الدينية بغرض تهذيب النفس وتقويتها، وبعدها مباشرةَ يعرض فلماً أو إعلاناً على العكس مما قيل في هذه الحلقة الدينية، هل هذا منطق يقبله عقل؟ هل ننتظر بعد هذا النهوض الحقيقي للمجتمع؟ هل بمثل هذه الأعمال الهابطة – التي لن تكفي صفحات وليس سطوراً أن ترصد بعضاً منها – نستطيع تنمية وعي وتنشئة الأجيال؟
عزيزي القارئ بهدوء شديد كيف لك أن تُشاهد مقولة أخلاقية مكتوبة تابعة لحملة “اخلاقنا الجميلة”، ويُعرض بعدها مباشرة مشهد من عمل درامي أو سينمائي يمحي ما قرأته، بل يمسحه مسحًا.
لذلك أرى في تقديري أننا نحتاج يد من حديد، لا تخشى في قول وفعل الحق لومة لائم، لكي تُزيل الغمام وتمنع عرض مثل هذه الأعمال غير الأخلاقية والمُنافية للدين.
إن حدث ذلك قولاً وفعلاً، نستطيع أن نُجيب عن التساؤل الذي آثرناه في البداية، هل تكفي هذه الحملة لبث الاخلاق القويمة بيننا؟.