طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (47) الزومبى المضاد
أشعر بالشففة على الأستاذ نبيل وأسرته وهو من سكان الحى القدامى، ويسكن فى الدور الأرضى فى أحد العمارات على الشارع الرئيس.
كنا بالأمس نحسده على باب شقته الخاص بالدور الأرضى بعيدا عن مدخل العمارة وكان الرجل يزين مدخل شقته الخاص ببعض الزروع والأشجار.
استاذ نبيل لديه ثلاثة أولاد ذكور وأبنتين كلهم فى مرحلة الشباب .
مؤخرا حوّل أحد السكان فى العمارة المقابلة له شقته بالدور الأرضى المقابل لشقة الأستاذ نبيل إلى محل ثم إلى مقهى، ومع الوقت تزايد عدد رواده حتى أصبحت الكراسى والترابيزات تمتد أمام شقة الأستاذ نبيل فى اعتداء صارخ على خصوصية الرجل وحياته.
العمل فى المقهى كان على مدار الساعة لا يغلق أبوابه بتاتا يهدأ فقط فى ساعات الفجر الأولى أما بقية اليوم فهو فى صخب دائم .
المقهى كان يسبب مشكلة لجميع سكان الحى لكن أكثرهم تضررا كان الأستاذ نبيل الذى يكاد يكون المقهى فى بيته ووسط أبناءه، لذا تقدم الرجل ببلاغات عدة يشكو من إزعاج المقهى الذى لا يجعله يستقر فى بيته وهو وأولاده ولكن لم تثمر بلاغاته عن شىء إلا المشاكل والعداء بينه وبين صاحب المقهى المعلم حسنين الذى كان يستعين بعاملين اقرب إلى البلطجية منهم الى أى شىء آخر .
رواد المقهى موضوع آخر فهم فى غالبيتهم من الشباب الزومبى الحديث أصحاب الصوت العالى يدخنون الشيشة طوال الوقت ويجلسون بالساعات للعب الطاولة والدومينو مما يسبب صداع دائم للأستاذ نبيل وأسرته.
المعلم حسنين صاحب المقهى يربح أموالا كثيرة ولذلك لا يهتم بشكوى الجيران خصوصا جاره الملاصق أستاذ نبيل الذى تحولت حياته إلى جحيم بسبب صوت التلفزيون أو شاشة العرض الكبيرة التى تعمل طوال اليوم لإذاعة المباريات والأغانى والأفلام وصوت الزبائن من الشباب الذين دائما ما يتلفظون بألفاظ قبيحة واباحية فيما بينهم وبصوت عالى يسمعها بنات أستاذ نبيل وزوجته بالطبع طوال الوقت، مما اضطر أستاذ نبيل فى النهاية لأن يترك شقته ويؤجر شقة أخرى فى مكان أخر.
لا أدرى كيف وصلنا الى هذه الحالة من اللامبالاة تجاه تصرفات الزومبى من البشر الذين يعيشون بيننا بلا اى احساس أو ضمير أو حياء .
وأول مرة التفت إلى أن لسان الزومبى المنتشر حاليا أصبح بذىء جدا مما جعلنى انتبه إلى سكرتيرة مكتبنا الفتاة الصغيرة رحاب التى لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها، اكتشف أيضا أنها تسمع كلام بذىء جدا من خلال مزاح الموظفين الذكور فى المكتب مع بعضهم البعض، مؤكد أن هذا الكلام وهذه الألفاظ قد خدشت حياءها الذى يمنعها أن تبدى اعتراضها وربما لا تسمح لها ظروفها أن تترك العمل حتى لا تسمع مثل هذه الألفاظ .
عندما تأملت أكثر وجدت أن الألفاظ البذيئة والإيحاءات الخادشة قد انتشرت بشكل كبير فى مجتمعنا وانتقلت من السفلة إلى الصفوة فى غفلة من الزمن والناس، وانتقلت كذلك إلى الأعمال الدرامية التى تعرض على القنوات فى كل بيت، انتقلت إلى الشباب والشابات فى المدارس والجامعات حتى اصبح من الطبيعى أن يقول شاب لزميله بمزاح أوغيره يا ابن كذا وكذا والأخر يرد له بكلمات من قاموس الكلمات القبيحة التى يعرفها .
حتى أستاذ منصف مدير مكتبنا الوقور والمحترم أحيانا وفى أوقات غضبه أو مزاحه يتلفظ بألفاظ كنا نقول عليها فى الماضى قبل ظهور الزومبي ألفاظ قبيحة ونستهجنها.
الحقيقة أننى اشفق على الأطفال والنساء الذين تضطرهم الظروف أن يسمعوا هذا الكلام البذىء فى الأسواق والمدارس وأماكن العمل وعلى الشاشات الذى يفقدهم براءتهم وحياءهم .
هذا الزومبى فاقد الحياء ليس فقط بالألفاظ والكلمات ولكن أيضا فى التصرفات والسلوك أصاب المجتمع بالغثيان والقرف ونتج عنه زومبى أخر هو الزومبى القرفان والممتعض وهكذا يتكاثر الزومبى فكل زومبى يقابله زومبى أخر مضاد له فى الاتجاه ومساوى له فى التدمير .
نكمل فى يوم اخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء