د. ناجح إبراهيم يكتب: هل تحولت الأم لخادمة والأب لممول؟!
كتب د/ ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان “هل تحولت الأم لخادمة والأب لممول؟!!” وتم نشرة في جريدة الشروق، وأليكم نص المقال:
جاءتنى مع ابنتها فى السنة الأولى الثانوية، عندها همت الابنة بالصعود على سرير الفحص إذا بأمها تقوم بنزع حذائها دون رفض أو خجل من الابنة.
عجبت لهذا المنظر العجيب الذى تكرر أمامى عدة مرات فى فترات متقاربة، وكان يسبب لى فى كل مرة ألما وحزنا داخليا كبيرا، فكيف لهذه الفتاة الشابة أن تقبل لأمها المهانة والذلة فتنزع حذاءها ثم جوربها ثم بعد الفحص تلبسها إياها وهى راضية قانعة؟!!.
وجدت نفسى مثل كل مرة يتكرر فيها هذا المنظر المؤسف أمنع الأم من ذلك قائلا لها لا يصح للأم أن تفعل ذلك، وناهرا البنت من قبوله فلا هى طفلة صغيرة أو بها مرض يحول بينها وبين أن تخلع حذاءها وجواربها بنفسها.
وإذا بالبنت تقول فى كبرياء وتسلط: مفيش فرق بينى وبين أمى هى تخلع حذائى وأنا أفعل ذلك معها. قلت لها: وهل فعلا خلعتِ حذاءها وجوربها حتى لو مرة واحدة، أتحداك فى ذلك، فتقول فى خجل: الحقيقة لم يحدث قلت لها: طبعا وأظنه لن يحدث، وكان المفروض عليكِ وأنتِ شابة أن تخلعى حذاءك وجواربك بنفسك، وإذا حاولت ذلك أمك تقبلى يديها وتمنعيها فورا من ذلك، كانت الفتاة عندها برود وبلادة غير مسبوقة.
هذا الموقف يتكرر أمامى كل عدة أيام وقد حسمت أمرى وعزمت أن أمنعه دوما، وأقول للأم: إذا فعلتِ ذلك فأنت تقدمين للمجتمع ابنة متواكلة كسولة لا تعرف قدر الأب والأم، ولن تعرف قيمة الزوج أو القائد، ولن تكون لديها أى ملكة تربوية أو إدارية.
يتكرر فى حياتى كل يوم أن يدخل الأولاد مع أبيهم وأمهم فيجلس الأولاد على الكرسيين المواجهين للطبيب ويقف الأب والأم فى مذلة ظاهرة فأنهر الأولاد عن ذلك وأقول لهما: كيف تجلسان قبل والديكما وفى مكانهما، اجلسوا فى الأماكن الأخرى بعد والديكما.
ظاهرة أن الأولاد هم السادة والأم والأب بمثابة العبيد أصبحت متفشية فى المجتمع المصرى، البنت لا تفعل شيئا منذ ولادتها وحتى إنهاء دراستها بالجامعة قد لا تسقى نفسها إن عطشت ولا تكلف نفسها أن تغسل جواربها فالأم الخادمة موجودة، كل ذلك بحجة المذاكرة والتفرغ لها، فى حين أن هذه الطالبة تمكث ساعات مع تليفونها «وفيسها وواتسها» وتتحدث مع صديقاتها بالساعات فى رغى مكرر لا فائدة منه لكنها تتحجج بالمذاكرة عند أى مسئولية، الأولاد يعتبرون أنفسهم السادة والخادمة الأم موجودة، فلماذا العمل؟!!!.
نادرا ما أجد فتاة تقف إلى جوار أمها أثناء فحصها، دائما أجدها جالسة على الكرسى تتفحص التليفون دون أن تتذكر أن أمها كانت تقف إلى جوارها تغطيها وتطمئن عليها وتقدمها على نفسها.
هؤلاء الأولاد لم يقرع سمعهم يوما قصة جريج العابد الذى ذاق الويلات لأنه قدم صلاة النافلة على الرد على نداء أمه، حتى دعت عليه، حتى نجاه الله.
ولو دعت عليه أمه بالفتنة لفتن، وأنا ممن يحب هذه القصة وأعشق مدلولاتها العميقة دائما.
والشريعة الغراء وفقه الإسلام العظيم يأمر الابن والابنة أن تقطع صلاة النافلة ويجيب أمه ويذهب إليها حتى لو كانت تطلبه لأمر عادى من أمور الحياة.
كثير من الأولاد يعنفن أمهاتهن حتى عند الطبيب لمجرد رأى تقوله الأم، وعادة ما يكون رأيها صحيحا فأرى الأم تنكمش فى نفسها من «شخطة ونظرة» البنت الجبارة أو الابن القاسى فأنظر للأم نظرة رثاء وألم.
هيبة ومكانة الأب والأم فى الأسرة المصرية إلى زوال بعد أن تحول الأب إلى بنك لتمويل نشاطات الأولاد التى تروق للأب أو لا تروق له، وبعد أن تحولت الأم إلى شبه خادمة لن يرضى عنها الأسياد الجدد مهما بذلت وضحت.
كلما كتبت روشتة للأم وأحد أولادها أفاجأ فى الاستشارة أن الأم قدمت أولادها واشترت العلاج لهم ولم تحضر العلاج لنفسها قائلة بصوت هامس: المهم أولادى، أنا لست مهمة، هم أولى منى، سأحضره لنفسى حين ميسرة، فأقول لابنها أو بنتها: هذه هى الأمومة العظيمة، ليتك تدرك هذا المعنى، ورغم ذلك أرى الابن صامتا دون حتى كلمة شكر يسعد بها أمه، وكأنه أخرس أو عديم المشاعر فى الوقت الذى تتدفق مشاعره بالكلمات الجميلة نحو أصدقائه وينطلق لسانه معهم بسرعة الصاروخ.
عادة ما أجد ابنا أو بنتا تزأر فى أمها بألسنة حداد ووجه مكفهر «ماما» فتنكمش الأم فى جلدها صامتة خوفا من السادة الجدد.
هؤلاء الأبناء لم يعيشوا بقلوبهم ومشاعرهم مع قوله تعالى الموجه لكل إنسان مهما كان دينه وعرقه ولونه «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ» «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا».
كل هذه البدايات هى الذى أدت مع غيرها إلى فشل زيجات هؤلاء الأولاد لأنهم سيدخلون الزواج دون أن يحملوا أى قدر من المسئولية، أو احترام الأكبر، أو القائد، أو تقدير عطاءات الآخرين، أو حسن إدارة البيوت.
الأسرة المصرية فى حاجة لإصلاح جذرى يبدأ من تعلم سلم الحب والولاء لله المحبوب الأعظم أولا ثم الوالدين والوطن والأهل والأساتذة و..و..و.. حتى يحب الكون كله ويتناغم مع الكون والحياة.