طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (48) زومبى التنمية البشرية
استيقظت فى الصباح الباكر، أنا والحى كله على صوت صافرة إنذار سيارة فى الشارع لا يتوقف، اعتدنا أن نسمع مثل هذه الأصوات لمدة قليلة لا تتعدى دقيقة أو دقيقتين على الأكثر لكن هذه المرة الصوت استمر لأكثر من ساعة حتى انتهيت من ارتداء ملابسى وغادرت المنزل ونزلت إلى الشارع الهادىء من المارة واتجهت لسيارتى ولا زالت أسمع الصوت المجلجل لإنذار السيارة التى كانت على مقربة من سيارتى وهى سيارة قديمة لا تغرى أحدا بسرقتها ولكن صاحبها مصمم يحصنها.
سألت أحد حراس العمارات عن السيارة التى أزعج صوتها الحى كله فأجابنى بأنه لا يعرف صاحبها تساءلت كيف لصاحب سيارة يضع انذار للسرقة فى سيارته ثم لا يسمع هذا الإنذار أصلا، ولا يعبأ به ولا بالسيارة ؟!.
قدت سيارتى متجها إلى العمل وأنا نصف نائم.. الطريق كان مزدحم للغاية كوبرى السادس من أكتوبر جعلنى انسى فضيلة هذا اليوم وذكرى النصر الكبير اعتقد أن هذا النصر أكبر من أن يخلد بأطلاق تاريخه على كوبرى أو مدينة فالسيارات مكدسة فوق الكوبرى لا تتحرك إلا بشق الأنفس.
استسلمت للأمر ورحت أبحث فى محطات الراديو عن شىء يسلينى ويخفف حدة الانتظار وجدت برنامج رياضى يتحدث عن كرة القدم والمباريات واللاعبين بعيدا عن تعقيدات الحياة والسياسة وصخب الأغانى العصرية فسمعت المذيع يتكلم مع أحد الضيوف على الهاتف عن شراء الأندية للاعبين جدد للإستعانة بهم فى الموسم الجديد لتحقيق الإنتصارات فإذا بالضيف يخبره عن عدة لاعبين تم شراؤهم من قبل بعض الأندية لاعب بمبلغ عشرة ملايين جنيه ولاعب أخر بمبلغ ستة ملايين….
سمعت أرقام كلها بملايين الجنيهات تذكرت أننى كنت على وشك أن أصبح لاعب كرة قدم جيد عندما تم قبولى فى أحد الأندية، وأنا فى فترة المراهقة وندمت للحظات على أننى لم أكمل مع النادى وفضلت الإهتمام بالدراسة فاللعب فى النادى كان يتطلب أن أغيب عن المدرسة والدروس ثلاثة أيام فى الأسبوع على الأقل، ويبدو أننى اخترت الطريق الخطأ بعد هذه الأرقام التى اسمعها ثمن للاعبين .
توقفت عن تشجيع كرة القدم منذ زمن وبعد عدد من مرات الفشل فى صعود فريقنا للمشاركة فى كأس العالم وحتى فى المرة أو المرتين اللتان شارك فيهما منتخبنا كانت النتائج مخجلة فى كرة القدم بالذات تنطبق مقولة رزق الهبل على المجانين.
أدرت المحطة لأسمع شيئا اخر بعدما أصيبت بإحباط فسمعت صوت مذيع حبوب ومتفائل خلف المذياع يتكلم عن الطاقة الإيجابية ومتعة التأمل ورؤية الأشياء الجميلة حولنا وكلام التنمية البشرية المغرق فى الخيال.
نظرت على السيارات التى لا زالت مكدسة أمامى تتحرك ببطء سلحفاة ودخان بعض السيارات الذى يملاء المكان ولا يسمح لى بفتح نافذة السيارة فلم أجد أى جمال الحقيقة.
بالمناسبة كثير من نظريات التنمية البشرية وخصوصا التى تتكلم عن التأمل والتنفس بعمق ومسك الأيادى ونقل الطاقة الإيجابية وهالة الشخص أو الأورا مأخوذة من البوذية التى هى ليست ديانة بقدر ماهى مذهب فلسفى وكلمة بوذا نفسها تعنى فى اللغة الهندية المستنير كذلك مذاهب التنوير التى هى فى حقيقتها غارقة فى الظلام وهذا النوع من الزومبى زومبى الفلسفة يعتقد بأنه وصل إلى حقائق فى الكون لم يصل إليها غيره.
بعدما استمعت لكلام المذيع الحبوب عن التأمل والتنفس بعض الوقت وحتى لا أفقد السيطرة على لسانى أغلقت الراديو .
قائد إحدى السيارات بجانبى يبدو أنه غلبه النعاس فصدم السيارة التى أمامه فأستيقظ على شخص عملاق ينزل من السيارة التى صدمها ويتجه ناحيته اعتذر له بكل هدوء وهو منكمش فى كرسى القيادة دون أن ينزل من السيارة فتمتم الرجل بكلمات غاضبة لم اسمعها ولكن بدا ذلك على وجهه ثم نظر إلى مؤخرة سيارته لحسن الحظ أنه لم يكن هناك اضرارا فالصدمة كانت خفيفة .
أخيرا بعد ساعة وصلت إلى نقطة التكدس على الكوبرى فوجدت سيارة قديمة من نوع الخنفساء الألمانية الشهيرة (البيتلز ) اعتقد أنها موديل عام سبعين على الأكثر ما يعنى أن عمرها حوالى سبعة وخمسون عاما تعطلت بصاحبها فى مكان لا يحسد عليه.
كنت على وشك تخطيها وتخطى الزحام عندما رأيت صاحب السيارة التى أمامى يقف بجانب السيارة المعطلة فأغلق الحارة المتبقية للمرور ليسأله عن المشكلة ويعرض عليه المساعدة وكأنه لا يرى أن هناك سيارات بالخلف تعانى من الزحام منذ ساعة.
تفكير هذا الزومبى أنه لا يوجد مشكلة إذا انتظرت السيارات عدة دقائق أخرى والحقيقة فمنطق الزومبي دائما أنه ليس هناك مشكلة فى أى شىء وتلك هى المشكلة الأكبر أنك ترى أنه ليس هناك اى مشكلة .
وصلت إلى المكتب منهكا احتاج كميات من القهوة كى استعيد انسانيتى وأبدا العمل بعد أن استنفدت معظم طاقتى فى الطريق وشممت كمية من عوادم السيارات جعلتنى شبه مخدر شبه زومبى .
نكمل فى يوم أخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.