طارق متولى يكتب: يوميات زومبى (49) زومبى الوهم والتوحد
اليوم مر بى صديقى نادر زميل الجامعة والدراسة وسنوات كثير بعد الدراسة وقررنا زيارة زميلنا الثالث سامر الذى يقيم بمفرده فى شقة والديه رحمهما الله .
سامر منذ التخرج لم يلتحق بأى عمل لا أدرى لماذا ولكنه فى البداية ومنذ أيام الجامعة كان نشيط جدا ومن مشاهير الجامعة فقد كان يتمتع بموهبة كبيرة فى الغناء وصوته أكثر من رائع، وشارك فى العديد من حفلات الجامعة حصل على ثناء الجمهور وأساتذة الجامعة بل ومن بعض مشاهير الفن أيضا وربما كان هذا سبب نكبته لأنه بعد التخرج لم يفكر إلا فى مستقبله كفنان وترك موضوع العمل والوظيفة جانبا.
ولكثرة الثناء الذى حصل عليه أحس سامر فى داخله أنه وصل لأعلى درجات المجد وليس بحاجة لأن يبذل مجهودا أخر أو يصل إلى مكان أخر رغم أن الواقع كان على خلاف ذلك فالأموال البسيطة التى تركها له والده بدأت فى النفاذ وبدأ يعانى ويستدين وأصبح من الصعب بعد أن رأى نفسه نجما أن يقبل بأى وظيفة تدر له دخلا فهو يريد شيئا يليق بمقامه وعظمته المتخيلة وهو ما لم يتوفر له.
والحياة العملية لا تحتاج لعظماء وكبار بقدر ما تحتاج لعاملين صغار عاديين ومن هنا نشأت المعضلة فى حياة سامر فظل حياته كلها بلا عمل مع بعض تجارب الغناء البسيطة التى سئم منها عندما وجدها عادية ولا تحقق له المجد الذى يستحقه وذلك عندما عرض عليه الغناء فى أحد النوادى الليلية الصغيرة بمبلغ زهيد.
عمر سامر يقترب الآن من الأربعين دون عمل ودون أن يحقق أى شىء فى حياته .
اتفقنا على أن نمر أنا ونادر على سامر فى بيته لأنه لايحبذ اللقاء فى أى مكان أخر ، يبدو أن السنوات التى قضاها دون عمل محدد جعلته أكثر عزلة والتصاقا بالبيت فلا يخرج إلا لشراء الطعام أو الأشياء التى يحتاجها .
فرح سامر بنا كثيرا عندما دخلنا من الباب وتبادلنا التحيات والضحكات ونحن نسترجع أيام الدراسة وأجلسنا فى غرفة المعيشة التى تحتوى على كنبة ثلاثة قطع وفوتيه كبير متهالك وأرضية خشبية باهتة ومشققة راح يجمع الملابس والفرش الملقاة فى كل مكان بالغرفة ليفسح لنا مجالا للجلوس.
البيت كله غير مرتب وغير نظيف حتى هو كان يبدو عليه الكبر والإرهاق والتوتر بعد أن جلسنا مباشرةً احضر لنا كوبين من الشاى ورحنا نتحدث عن أيام الجامعة ونتذكر زملاء آخرين بدا لى أنه يريد إنهاء هذا اللقاء سريعا من توتره ومتابعته لنا ونحن نشرب الشاى، منتظرا أن تفرغ الأكواب.
فى المقابل نادر شخص متطفل جدا ومهرج حقيقى راح يتفحص كل شىء فى المنزل ويسأل عنه سامر الذى كان يجيب بإقتضاب وإختصار.
لاحظت أن سامر قليل الكلام ليس لديه رغبة فى الحديث وكأنه يعيش فى عالم آخر متوحدا مع نفسه حتى بدا لى فى بعض اللحظات أنه لا يشعر بوجودنا فقد تركنا جالسين ودخل ليستحم ويرتب بعض الأشياء فى البيت، وأخيرا استأذن لينام قليلا، منتهى الغرابة تركناه وغادرنا ليستريح، ولم يتكبد عناء أن ينهض من السرير ليودعنا واكتفى بقول: “سلام وعايزين نتقابل تانى”.
أشفقت عليه فى الحقيقة فهو قد أصبح متوحدا لا يريد أن يتفاعل مع أى شخص وليس على استعداد لتغيير نمط حياته الذى اعتاد عليه لسنوات
بدون عمل، بدون أقارب، بدون أصدقاء، حتى أصبح صديقه الوحيد هو البيت الذى يعيش فيه، جدرانه وأثاثه والوهم الكبير الذى يعيش فيه بأنه شخص عظيم أعظم من كل الفرص ومن كل شىء .
.. ونكمل فى يوم آخر من يوميات زومبى فإلى اللقاء.