د. عيسى مصطفى دمشق يكتب: جدلية التراث والمعاصرة.. القطيعة المعرفية نموذجاً

كتب الصديق الدكتور قاسم عبد المحبشي ، أستاذ الفلسفة في جامعة عدن على صفحته هذا المنشور المقتضب في نَصِهِ، الواسع في مضمونه:

“عندما تبقى البنية القديمة ذاتها، فمن المؤكد أنها ستعيد إنتاج ذات العلاقات، والأنماط الإجتماعية والأشخاص، جيلاً بعد جيل بِصوَرٍ شتى…!.

وكان لي هذا التعليق المستفيض علني أفلحت في تغطية بعض جوانب منشوره البالغ الدلالة: صدقت ياصديقي الصدوق ،هذا ما جرى، ومازال يجري في عالمنا العربي، وحتى الإسلامي – إلاَّ من رحم ربي – من إجترار لقيم، وفكر، وثقافة حضارة سادت ثم بادت.

تعيش الأمة حالة من الإنكفاء الذاتي، والإلتفات الدائم نحو الوراء، نحو الماضي السحيق، والنبش والتنقيب عن أكسير الحياة هناك، في محاولة يائسة لتضميد جرحها النرجسي بكل أشكال وتلاوين ومفرزات هذا الجرح: – الروحية منها، و المعنوية، والمادية، ناسين أو متناسين أن هذا الأكسير – إن وجدطبعاً – فهو في المستقبل، وليس في الماضي ،لأن إحداثي الزمن في حركة دائمة ومتسارعة نحو الأمام.

وكلما تقدم الزمن زادت المسافة، واتسعت الفجوة بيننا وبين العالم المحيط بنا،وأنقطعت سبل التواصل بيننا وبين العالم من حولنا.

ليس لأن وسائل الإتصال معدومة،بل لأننا لانجيد التواصل، فالتواصل المعاصر يحتاج إلى معرفة عصرية، والمعرفة العصرية تحتاج إلى أدوات معرفية جديدة.

وفي عالم اليوم لاتستطيع التعامل مع الظواهر والأحداث المستجدة، إذا لم تمتلك المناهج، والأدوات المعرفية اللازمة للمعالجة.

لم يعد الركون إلى الثقافة السُّماعية، والروايات الظنية مقبولاً، خاصة أن هذه الروايات الظنية استُهلِكتْ وهَرِمتْ بالتقادم .

لم يعد المنهج الإستدلالي الذي وضعه الفيلسوف الإغريقي أرسطو قبل الميلاد، واعتمده المفكرون والفقهاء الأوائل كافياً – خاصة فيما يتعلق بقراءة النصوص المقدسة – فهنالك المنهج الاستقرائي، الذي يقوم على الملاحظة والتجربة، والمنهج التاريخي، والمنهح الفيللوجي (اللغوي)، والمنهج الفينومونولوجي (الظاهراتي)، والمنهج الديالكتيكي (الجدلي)، والمنهج الهيرمينوطيقي(التأويلي)، والقائمة تطول.

ومن المفارقات الغريبة أن أيٌّ من فقهاؤنا وعلماؤنا الأوائل لم يَقلْ يوماً – في كل ما قال – أنه بلغ الحقيقة الناجزة، بل أكدوا مراراً وتكرارأً أن كلامهم يحتمل الخطأ، كما يحتمل الصواب لأنهم ببساطة بشرٌ، والبشر تخطئ وتصيب.

لكن للأسف جرت الرياح بما لاتشتهي السفن، واعتبرنا أن ماقاله الأسلاف في مكان ما، وزمان ما، ومنذ عشرة قرون ونيِّف هو الحقيقة الناجزة التي لايأتيها الباطل من بين يديها ولامن خلفها.

وبذلك خُتم على العقل العربي بالشمع الأحمر، ولم يبقَ للخلف مايضيفه على ماابتدعه السلف، فوصلنا إلى حالة الإستعصاء والقطيعة المعرفية، التي تحدُّ من تواصلنا بنظرائنا من بني البشر على أختلاف مِللهم ونِحَلِهم.

هذه هي المأساة التي نعيش أحلك لياليها، ونكتوي بنارها في هذه الأيام، والسنين العِجاف.

وأكتفي بهذا القدر، لك مني أطيب المنى صديقي العزيز، ولكم أصدقائي، الذين أعيش معكم في حِلِّي وترحالي أحلى، وأغنى، وأطيب الأمنيات بغدٍ أفضل…!

اقرأ ايضا:

 

زر الذهاب إلى الأعلى