لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية في شهرها التاسع إلى أين؟

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية في شهرها التاسع بدأت الاحداث تتغير في كل يوم، و بالتالي تنوعت القرارات التي أصبحت تؤثر على العالم كله، خاصة عندما نجحت القوات الروسية هذا الأسبوع بصد هجوم بطائرات مفخخة من الجانب الأوكراني على أسطولها البحري في البحر الأسود في خليج سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم.

هذا الحدث دفع روسيا إلى اعتبار أن هذا الهجوم موجه ضد القوات البحرية الروسية التي تؤمن عمليات نقل الحبوب الأوكرانية عبر مضيقي البسفور و الدردنيل إلي مختلف دول العالم، لذاك أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في تطبيق الاتفاق لتأمين صادرات الحبوب الأوكرانية من الموانئ الأوكرانية.

وأبلغت روسيا الأمين العام للأمم المتحدة بتعليق اتفاقية تصدير الحبوب، و بالطبع أثار ذلك القرار استياء الجميع، فلقد أعلن الرئيس الأمريكي اأن ذلك القرار مشين، أما الأمم المتحدة فقد أعلنت أن هذا القرار سيكون له تأثير على دول العالم كله الذي يؤمّن توفير الغذاء للملاين من شعوب العالم.

باستعراض تلك الاحداث يجب أن نضع تصور الرؤى الاستراتيجية لدول الصراع في خلال الثلاث أشهر القادمة، حيث أري أن روسيا قد وضعت استراتيجيتها القادمة تجاه هذه الحرب على أساس استمرار التمسك بالخطوط التي وصلت إليها القوات الروسية حاليا داخل الأراضي الأوكرانية و التي تمثل 20% من أراضيها و عدم الدخول في عمليات هجومية قادمة للاستيلاء على أراضي اوكرانية جديدة مع استمرار تأمين الأربع مقاطعات أوكرانية التي تم انضمامها لروسيا مؤخرا و هى لوهانسك ودونيتسك و زابوريجيا و خيرسون.

وفي نفس الوقت تستمر روسيا بتوجيه ضربات صاروخية وهجمات طائرات مسيرة بدون طيار ضد الأهداف الحيوية المدنية الأوكرانية و بالذات محطات الكهرباء حيث بأعطالها تتوقف تبعا لها محطات المياه ولقد وصل الآن حجم التدمير فيها إلي انقطاع الكهرباء عن ملاين الأسر الأوكرانية حيث تهدف روسيا إلى خلخلة المجتمع الاوكراني و تدفعه للثورة ضد رئيسه الذي لا يؤمن له حياته المدنية و أبسطها الكهرباء في فترة الشتاء القادم.

و في حالة زيادة القوات الأوكرانية من العمليات العسكرية البرية ضد القوات الروسية يمكن أن تزيد القوات الروسية من الضربات ضد محطات المواصلات وخاصة السكك الحديدية، الأمر الذي سوف يزيد من غضب الشعب الأوكراني ضد حكومته في الفترة القادمة.

تلك هي السناريوهات الروسية تجاه أوكرانيا، أما استراتيجية روسيا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب فسوف تهدف خلال الفترة القادمة إلي قطع إمداد الغاز الطبيعي عن الدول الأوروبية من أجل إدارة حرب الغاز الطبيعي والتي سيتأثر بها المجتمع الأوروبي الذي سيواجه شتاء قارص دون تدفئة تدفع هذه الشعوب إلي الثورة ضد الحكومات الأوروبية وهو الهدف الرئيسي لبوتن و هو تفتيت دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو و التي ظهرت بوادرها مؤخرا باعتراض حكومات بعض الدول الأوروبية على تحرير سعر موحد للغاز الطبيعي، حيث قامت بعض المظاهرات في بعض الدول الأوروبية ضد ارتفاع أسعار الكهرباء و الغاز و عدم ضمان استمرار التدفئة في شهور الشتاء القادم.

لذلك تنتظر روسيا المعركة الذي بطلها الجنرال برد و الذي على أثره سيتوقف قرار روسيا بعدها في الدخول إلى مفاوضات قادمة لإنهاء هذه الحرب مع نهاية فصل الشتاء.

أما الاستراتيجية الأمريكية تجاه هذه الحرب الروسية الأوكرانية حاليا، فهي لازالت كما هي لم تتغير و هي إدارة أوكرانيا حرب دفاعية ضد روسيا لأطول فترة ممكنة بهدف استنزاف الموارد الروسية العسكرية والاقتصادية مع قيام أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي و الناتو بتقديم دعم عسكري دفاعي إلي أوكرانيا يمكّنها من إدارة معركة دفاعية داخل الأراضي الأوكرانية،

وكان أبسط مثال على ذلك عندما دعمت أمريكا أوكرانيا بالمدفعية الصاروخية هيمارس التي يصل مداها إلى 80 كم، واشترطت أمريكا علي أوكرانيا عدم استخدام هذه الصواريخ داخل الأراضي الروسية حتى لا تضطر روسيا إلي الرد على أوكرانيا بأعمال عسكرية مضادة قد تصل الى استخدام القنبلة النووية التكتيكية، وهو أمر تتحفظ عليه الولايات المتحدة دائما.

وبالطبع فإن دول حلف الناتو و الاتحاد الأوروبي مازالت تسير في فلك الاستراتيجية الامريكية تجاه هذه الحر.

أما الرئيس الأوكراني فهو يدير حرب نفسية ضد روسيا في محاولة لاستمالة الدول الأوروبية لإمداده بالسلاح والدعم المالي لإصلاح ما دمرته أعمال القتال والقصف الروسي في بلاده.

لقد أصبحت معركة خيرسون مفتاح الأعمال القتالية في شرق وجنوب أوكرانيا حيث تقوم القوات الأوكرانية بهجوم مضاد لاستعادة خيرسون والتي بسقوطها سوف يهتز موقف القوات الروسية هناك نظرا لموقعها الاستراتيجي، فهي المنفذ الرئيسي إلي شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا عام 2014 وأعلنت ضمها إلي روسيا، كذلك سوف يخفض ذلك من الروح المعنوية للقوات الروسية على جبهة الشمال.

ومن هنا قامت روسيا مؤخرا بإخلاء معظم مواطني خيرسون إلي روسيا بهدف إدارة عمليات الأراضي المحروقة في حالة نجاح الهجوم المضاد الأوكراني والاستيلاء على خيرسون.

وهنا سوف تقوم القوات الروسية بتدمير المدينة بالكامل لمنع أوكرانيا من الاستيلاء عليها لذلك فإن الجميع ينتظر الآن معركة خيرسون في الفترة القادمة.

أما بخصوص التهديدات التي أطلقتها روسيا خلال الفترة الماضية حول الاستخدام النووي، فلقد أكدت في مقالي السابق أن احتمالات الحرب النووية أمرا غير وارد على الإطلاق بين القوى الكبرى، أما احتمالات استخدام الضربات النووية التكتيكية فإنه سوف يكون محدودا للغاية حتى لا يؤدي ذلك الي تطوير الصراع بين الدول النووية وروسيا رغم ادعاء روسيا أن أوكرانيا ستقوم باستخدام القنبلة القذرة، وهو الأمر الذي نفته كل من أوكرانيا والولايات المتحددة.

وعلى الرغم من التوقعات العديدة المستمرة حول استخدام النووي إلا أن ذلك كله يأتي في إطار الحرب النفسية بين الدولتين، لذلك مازال العالم كله ينتظر انتهاء العملية القتالية في خيرسون ونتائجها حيث ستكون مفتاح الحلول في الفترة القادمة.

لذلك هل ستنجح الأمم المتحدة في اقناع روسيا بإعادة اتفاقية المرور الآمن للحبوب؟، والتي قد تؤثر على دول العالم كله في الفترة القادمة، وهل ستنجح الدول الأوروبية في المرور من أزمة الشتاء القادم وتوفير الغاز والتدفئة لشعوبها هذا ما ستقرره الشهور القادمة لتحسم بعدها نتائج هذه الحرب التي أثرت على دول العالم بالكامل.

اقرأ أيضا للكاتب:

 

زر الذهاب إلى الأعلى