إسلام كمال يكتب: لماذا يرحب البعض بالثيوقراطية الصهيونية؟!
في فترة دقيقة جدا بتاريخ الشرق الأوسط، تمس الأمن القومى المصري بشكل صريح .. كل المؤشرات تدلل فيها على اقترابنا من مربع مشتعل جديد، مع بلورة أول حكومة تدشن رسميا للدولة الثيوقراطية في الكيان الإسرائيلي، تصل بنا كما حذرت في مقالى الأخير إلى حرب دينية أو على الأقل مواجهة إقليمية بين إيران وإسرائيل أو إنتفاضة ثالثة بسيناريو أكثر تعقيدا.
الحديث يخلو تماما من المبالغة، والمتابع للمشهد الإسرائيلي المعقد والمتصاعد على مختلف الانحاء يعى ذلك، فبنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود والمكلف بتشكيل حكومة يمينة صهيونية دينية صرف، حتى الآن على الأقل، يصر على تجاهل التحذيرات الدولية والإقليمية من ضم المستوطنين المختلين المتهمين في جرائم تحريض وقتل وإرهاب وعنصرية، بتسلئيل سموطرتيش وإيتمار بن جفير، قيادى تحالف هاتسيونوت هادتيت، أو الصهيونية الدينية، والذي شكله نتنياهو بنفسه، لائتلافه المرتقب.
والمفارقة، إن هذين المجرمين الفاشيين يطالبان بوزارة الدفاع ووزارة الشرطة، أى يريدان السيطرة على السلطتين العسكرية والأمنية للكيان الإسرائيلي، والكل يعرف مخططاتهما، وهما يتباهان بها، ولا يخفياها، ومنها إقامة كنيس يهودى في الأقصي، واستمرار الاقتحامات الصهيونية له، وزيادة الاستيطان، وضم الضفة الغربية، وإقرار قانون لإعدام الأسري لا سجنهم، وزيادة ميزانيات المدارس الدينية لاستمرار تفريخ الأجيال المختلة وتحصين المستوطنات بالأسلحة.
الأمر الكارثي، أن نتنياهو سيد هذين المختلين، والذي نقلهما من مجرد نائبي كنيست غير مشهورين، إلى قادة وزعماء لتيار فاشي صهيونى، لا يستطيع مواجهتهما وهما يطالبان بحقائب وزارية سيادية، ويرفضان أى تنازل عن قائمة مطالبهما الكثيرة.. والتى أغلبها تمس بالأمن القومى الإقليمى والعربي وبالتالى المصري.
كان غريبا وسط هذه الأجواء، أن تتوالى اتصالات ورسائل التهانى العربية من الخليج والمغرب والسودان على نتنياهو، رغم القلق من ضم هذين المختلين لحكومته، الأمر الذي يعد تشجيعا لرئيس الوزراء الإسرائيلي المرتقب على جرمه المتوقع في حق القضية الفلسطينية والأمن القومى العربي، وحتى ندرك مدى اختلال هذين الفاشيين سموطرتيش وبن جفير، فيجب أن تعلموا إنه سبقت إدانتهما في أعمال إرهابية ضد الفلسطينيين وعرب ٤٨، وضبطوا متلبسين بالمتفجرات والأسلحة، ويكفى إن بن جفير من مريدى المختل الصهيونى الأكبر، مائير كاهانا وتلميذه القاتل باروخ جولدشتين مرتكب مذبحة الحرم الابراهيمي الشهيرة.
ومن ضمن المفارقات، التى تؤكد أن نتنياهو لن يستطيع مواجهة الشبح الذي صنعه بنفسه، هو ما اقترفته زوجة بن جفير، “إيلا” عندما حضرت حفل دعته لها سارة نتنياهو، مع غيرها من زوجات زعماء البلوك اليمينى الدينى المتطرف الذي سيشكل حكومة نتنياهو، حيث حضرت الحفل متسلحة بمسدس تضعه حول بطنها، وبررت للغاضبين ذلك بإنها تسكن في مستوطنة ب”الخليل” وسط التهديدات، وهى أم لست أبناء مهددين وزوج معرض للخطر في أية لحظة، وبالتالى من الطبيعي أن تحمل هذه المستوطنة المختلة السلاح، وهى بذلك تقدم نموذجا على مدى سطوة هؤلاء الدمويين على السلطة في إسرائيل، لدرجة إنهم يدخلون أى مكان بأسلحتهم، ومشهور عنهم إشهار الأسلحة واستخدامها لأتفه الأسباب، وبالطبع هدفهم الاول هو فلسطينى الأراضي المحتلة والداخل الإسرائيلي، ولا يمكن استبعاد الربط بين ظاهرة سرقة الأسلحة من القواعد العسكرية الإسرائيلية، في مختلف الانحاء، وأخرها في الجولان، وهذه الأجواء، فلا يدور الحديث عن وصول الأسلحة للفلسطينيين فقط، بل ميلشيا المستوطنين أيضا!
أكثر المتضررين بشكل مباشر من بن جفير ومخططاته للسيطرة على الأقصي، هو العاهل الأردنى الملك عبد الله، الذي نقل قلقه للرئيس الإسرائيلي بوجى هرتزوج خلال لقائهما على هامش اجتماعات مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، وبالفعل نقل هرتزوج هذه المخاوف العربية والدولية لقادة المشهد الإسرائيلي، في حادثة تسريب مسامع له يشكو من الموقف الصعب الذي سيضع بن جفير فيه إسرائيل، لكن حاخامات شاس دافعوا عنه، وقالوا إنه أصبح أكثر اعتدالا وفق أراءهم!
وهذا الاعتدال الذي يقصدونه، أنه غير من هتاف أنصاره من الموت للعرب، إلى الموت للإرهابيين!!!..متجاهلين إنه لديه خطة لتهجير فلسطينى ٤٨ وفلسطينى الأراضي المحتلة نحو سوريا، وجاهر بها كثيرا!
هذه مجرد أمثلة، تشير للأدمغة الفاشية التى ستقود إسرائيل قريبا، وسط اعتراض كبير من العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، فكلهما، سموطرتيش وبن جفير لم يؤديا الخدمة العسكرية بشكل ما، وليست لديهما الخبرة لقيادة حقائب وزارية كالدفاع والشرطة، ومعروف سبب إصرارهما على الوصول لها.
والخطورة في استقرار أمر الديمقراطيين بعد انتخابات التجدد النصفي بالكونجرس والشيوخ، حيث تراجعت بشكل ما الاعتراضات على هذه الوجوه الصهيونية، واكتفت الأصوات بالحديث عن الديمقراطية والليبرالية، رغم أن الديمقراطيين الأمريكيين معروفون بدعم الثيوقراطيين، وبالتالى فالمنطقة مؤهلة لحرب دينية منوعة، إن كانت بسبب السيطرة على الأقصي، أو المواجهة المرتقبة بين إسرائيل وإيران على خلفيات نووية، أو هكذا يوهمونا ملالى الصهاينة وحاخامات الفرس!
السيناريو الأقل ضررا، هو أن ينجح الرئيس الإسرائيلي هرتزوج في مباردته المدعومة دوليا، بجمع الفرقاء نتنياهو وبينى جانتس ويائير لابيد، في حكومة وحدة وطنية، بأغلبية مستقرة جدا، ٧٤ مقعدا، وسيكونوا وقتها في مواجهة معارضة ضعيفة مشتتة، من الصهيونية الدينية والقومية واليسار وفلسطينى ٤٨..ولابيد الذي هاجم الفلسطينيين بقوة بعد إنجازهم في لاهاى ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، وجانتس الذي لا يتوقف عن ضرب سوريا في كل مكان من حدودها مع العراق لحمص ودمشق، حتى في معاقل الروس، ويقتل ويعتقل الفلسطينيين ليل نهار، يقدمان نموذجا قويا للاستعداد للعودة لتحالف ثانى بعد نتنياهو، بعد فشل التحالف الأخير منذ ثلاثة أعوام تقريبا، فالدماغ لا تختلف كثيرا!
لكن هدية الفاشيين لنتنياهو بإقرار ما يسمى بالقانون النرويجى للتخلص من الملاحقات القضائية التى لاتزال تقربه من السجن، حتى وهو في منصب رئيس الوزراء، من شأنها إستبعاد هذا السيناريو، بخلاف رغبة كل اليمينيين في التخلص من محكمة العدل الإسرائيلية “البجاتس” التى يعتبرونها المعقل اليسارى الأخير والمعارضة الأقوى من الكنيست نفسه، وبالطبع لن يترك نتنياهو فرصة كهذه للتخلص من قضاة البجاتس الذين عارضوه كثيرا لسنوات!
ومن ضمن مفارقات المشهد، أن صراعات الحلفاء الفاشيين على تورتة الحقائب الوزارية والصلاحيات الإضافية، تسببت في تأجيل إعلان الحكومة السادسة التى سيقودها نتنياهو على عكس ما خطط له، حيث يقلق من انقضاء المهلة القانونية”٢٨ يوم” قبل نجاحه في تشكيل الحكومة، فقيادات الليكود تريد أكبر نسبة من الحقائب، ووعدهم ببقاء البارز منها وخاصة الدفاع والعدل لحزبه، فيما سيمنح كل المتناحرين وزارات متوسطة بصلاحيات إضافية، كما سيفعل مع بن جفير، لكن الأزمة الآن مع سموطرتيش التى لم تحضر زوجته حفل سارة نتنياهو، لأن طلباته بالوصول للدفاع أو المالية رفضت حتى الآن.
ولا يقف الأمر عند ذلك، فمن الأمور المعقدة، أن نتنياهو يفكر في استرضاء جماعات الشواذ الإسرائيلية والدولية القلقة من وصول حركة “نوعم” المناهضة لهم للحكم، حيث يفكر في منح وزارة الخارجية إلى رئيس مجموعة الشواذ في حزب الليكود، وزير العدل والداخلية السابق، أمير أوحانا، وسيكون موقفا صعبا لوزراء الخارجية في الدول العربية والإسلامية المطبعة مع إسرائيل، لكنه ايضا مرشح لرئاسة الكنسيت، والساعات المقبلة كفيلة بحسم هذا الموقف، الذي يظهر مدى تعقد المشهد الإسرائيلي من مختلف المناحى.
ورغم أن هؤلاء الفاشيين لن يدمروا حياة الفلسطينيين وعرب الشرق الأوسط فقط، بل أغلب الإسرائيليين أنفسهم أيضا، إلا إن استطلاعات الرأى الإسرائيلية تشير لتشجيع حكومة فاشية ثيوقراطية على حكومة وحدة وطنية، وبذلك يكشف الإسرائيليون عن وجههم الحقيقي لنا، فماذا نحن فاعلون؟!
والمفاجئ أن هناك أصوات بدأت تتعالى من داخل فلسطينى ٤٨ بل وفلسطينى الأراضي المحتلة وبعض الشرق أوسطيين، الذين يرون في حكومة فاشية كهذه فائدة للقضية الفلسطينية والمصالح العربية الوطنية، من منطلق أن العالم سيرى وجه إسرائيل الحقيقي، خاصة لو تم إجمال الصورة في الأنظمة المتطرفة التى عادت لتسيطر على الحكم في عدة دول حول العالم، ومنها المجر وإيطاليا وحتى البرازيل، ويتوقعون عودة ترامب..لكننى لا أتفق مع هذه الرؤية، لأنه سيكون قد فات الآوان، ونحن ننتظر تحرك العالم، وسيكون قد إنهار الأقصي، أو على الأقل أقيم فيه كنيس يهودى، فها هى إسرائيل تقتحم الأقصي وتضرب كل سوريا يوميا وتعتقل وتقتل الفلسطينيين لحظيا، ولا نسمع صوت لأحد!