د. ناجح إبراهيم يكتب: رحمة الله وحكمة رسوله (ص)
• خرج رسول الله “ص” من المسجد فاعترضه أحد الأعراب ثم دعا قائلا ً:”اللهم ارحمني ومحمدا ً ولا ترحم معنا أحدا ً”, كان الدعاء غريبا ً وصادما ً للنبي “ص” الذي اعتاد أن يدعو للناس جميعا ً ويشملهم برعايته ومحبته ويرجو الخير للدنيا كلها جيلا ً وراء جيل, ولكن ماذا يملك النبي إزاء سذاجة وضيق أفق هذا الأعرابي وفرط تعصبه سوى الضحك والتعقيب على قوله بحكمة تلقائية رائعة “لقد ضيقت واسعا ً يا أخا العرب”.
• لقد ضيق الأعرابي رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء, الناس والطير والحيوان والجماد والخلق كله, فهي أوسع من كل شيء, فبهذه الرحمة ترفع الدابة العجماء بفطرتها حافرها عن وليدها خشية أن تؤذيه, ويطعم الأسد أولاده دون أن يفكر مرة في التهامهم مهما استبد به الجوع.
• فالضيق ليس في رحمة الله ولن يكون أبدا ً في رحمته سبحانه “ورحمتي وسعت كل شيء”, وليس الضيق أيضا ً في فرص الحياة التي تكفل الله فيها بالرزق الوفير والحلال للجميع, ولا في أرزاق الناس, ولا في قلة كراسي السلطة أو المناصب, فكلها تسع جميع الكفاءات والكفايات.
• ولكن الضيق يكون في القلب الأسود الذي يريد أن يستأثر وحده بكل شيء, وفي النفس الجشعة التي تتمنى الخير لنفسها وطائفتها فحسب ولا ترجوه للآخرين.
• إن أنانية هذا الأعرابي توجد الآن عند أكثر الناس, وجفاء وغلظة هذا الأعرابي زحفت على قلوب ونفوس الكثيرين هذه الأيام, ولم يعد يسلم من أخلاق كهذا الإعرابي إلا القليل, فالجميع يضيق ما وسعه الله على عباده, ويريد أن يستأثر دون غيره برحمات الدنيا وإن استطاع أن يقف بوابا ًعلى أبواب الجنة والنار لأدخل النار منافسيه السياسيين أو الاقتصاديين أو الدينيين أو المذهبيين.