إسلام كمال يكتب: الباقي من الكارثة !
أكاد أجزم، إنه لم يتصور أحد منا، أن تعيش الأجيال الحالية حول العالم، هذه الحالة من اللا يقين، وسط هذه الموجات من الفوضى المنوعة !!! .. فهناك حقب بالفعل مليئة بالأزمات والكوارث، ومعروفة في التاريخ، لكن كانت لها مؤشرات ما، قرآنها كبارا، ودرسناها صغارا، ولم نتخيل في يوم من الأيام أن نعيش في أجواءها!
لو إخترنا حقب الكوارث غير البعيدة، فكانت هناك مؤشرات للحربين العالميتين الأولى والثانية قبل إندلاعهما، رغم تفاهة أسباب اتساعهما من الوهلة الأولى، حيث كان يتحضر العالم لقوى جديدة، وتشكيلات غير معتادة من القيادات العالمية، إنتهت على إثرها أشكال الاحتلالات التقليدية وظهرت أخرى غير تقليدية، وتنامت قوى وأختفت أخرى.
وبالطبع، جميعنا لايزال يتذكر هول الصدمة العالمية والإقليمية من تفجيرات سبتمبر، ونحن نشاهد الطائرات المدنية تتحول صواريخ تدمر الرمز الإمبريالى الأمريكى الأشهر في التاريخ المعاصر، برجى مركز التجارة العالمى، والتى كانت مؤشرا غامضا لحدث جلل أكثر تعقيدا، وبالفعل سقطت بغداد، التى كانت بمثابة مثالا لسقوطات أخرى في عواصم عربية ودولية أخرى، إلا إنه كانت هناك بروفة قبلها في البلقان، كما حدث مع بروفة الربيع العربي في الثورة البرتقالية الأوكرانية، لتؤكد إن الإجابة الحقيقية كييف، وليست تونس، كما يتصور البعض.
وتمددت تحركات المرتزقة المتأسلمين الذين عانينا من تطوراتهم التنظيمية من حقبة العشرينات وحتى حقبة السبعينات ، بفكر صهيونى عنقودى، من الشرق الأوسط لأفغانستان ليوغسلفيا ومنها للشيشان وعودة للدول العربية وإفريقيا، وتطورت استخدمت هذه المرتزقة من مجرد الإرهاب الخاطف للإرهاب المحتل.
هذا مجرد ملمح من ملامح انهيار مستمر، بأبعاد منوعة جدا، عناوينها كثيرة لا تحصى، فكان مانشيتها الرئيسي في البداية، النظام العالمى الجديد متعدد النسخ، ومنه لعناوين أغلبها اقتصادية، مثل حروب الغاز ، ثم صراعات الماء، إلى أن وصلنا للحروب البيولوچية، ومنها لحروب الغذاء، وأحيانا الحروب السيبرانية..فنحن نعيش كل أجواء الحرب العالمية بأدق تفاصيلها، لكننا تأريخيا، لانزال لم نسمى حربا ما بالحرب العالمية العالمية الثالثة، وكأن الإحصاء توقف عند ١٩٤٥!..رغم أن حرب إسقاط العراق، كانت عالمية، وحرب تفكيك يوغسلفيا كانت عالمية، وحتى قبلهما كانت حرب أكتوبر عالمية وحرب ڤيتنام كانت عالمية، وبالطبع حرب روسيا وأوكرانيا..عالمية، فلماذا يتجاهلون هذا الإحصاء؟!..هل لغرض ما؟!..عن نفسي واثق من ذلك، ولنناقشه في مقال آخر!
ووسط كل هذه التلطمات، التي عانت منها ولاتزال تعانى الأجيال الحالية، تاه المعنى الحقيقي للدولة، والاستقلال، والقيادة الوطنية والقيادة الإقليمية، في عصر عادت فيه الأحلاف في أقاليم من العالم، وإنهارت منظمات مناطقية في سياقات أخرى.
وفي هذه الحقبة، التى تاهت فيها المعايير وسط الضغوط المفتعلة والتحديات المخلقة بتخطيط معقد للغاية من أجهزة مخابراتية عتيدة في الفوضي والدم وتغيير خرائط العالم، كان الكيان الإسرائيلي الفائز الأكبر في كل المجالات المرصودة وغيرها، ولولا بعض تخبطاتهم الداخلية لكانت تل أبيب في مصاف أعلى من ذلك، رغم إنها بالفعل من القوى الكبري عسكريا ومخابراتيا وسياسيا واقتصاديا الآن، فلم يكن أحد يتصور أن يضرب الطيران الإسرائيلي كل نقطة في سوريا كل يوم تقريبا ودون أى رد، ولم يكن أحد يتصور أن تتحرك بهذه الحرية في كل أقاليم العالم من القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وحتى الخليج العربي وأسيا الوسطى وبحر قزوين وأفغانستان وماليزيا، وإلى قلب وغرب وجنوب إفريقيا وعبورا من الأطلسى نحو الأمريكتين، ومنها لأوربا بكل تقاطاعتها، فهى متواجدة بقوة في كل مكان من العالم.
وبالتالى لم يعد غريبا بالمرة أن نرى إسرائيل قريبا عضوا في الجامعة العربية، أو مثلا مع بعض الحياء المتبقي لدى قلة، من الممكن أن يتم الانهاء على الجامعة العربية، وإبدالها بمنظمة شرق أوسطية، تضم تركيا وإسرائيل وباكستان وإيران الجديدة، التى يخططون لها!
ليس المقال عن إسرائيل، رغم إنشغالى بهذا الملف، كما هو معروف، لكنه ملمح أساسي من ظاهرة جيوسياسية نعانيها، ولم يكن أحد يتخيل أن نكون بين رحاياها، حتى إن هناك من يتصور أنه كابوس طويل، ويتمنى أن يصحو منه!!!
وأمثال هؤلاء، أخطر علينا من الأعداء، فيجب أن نتيقظ لنواجه، على كل ما نحن نعانى منه داخليا وخارجيا، عاما وخاصا، حتى يبقي تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا بقيمنا وكياننا وهويتنا.