د. محمد ابراهيم بسيوني يكتب: الجامعات الخاصة والعدالة الاجتماعية
معدل البطالة في مصر تراجع بشكل طفيف في الربع الأول من 2022 إلى 7.2% مقابل 7.4% قبل عام، وذلك بانخفاض قدره 0.2% ما عدا معدلات البطالة بين خريجي الجامعات التي تتزايد بـشكل مـستمر، ومـن ثـم فـإن وجـود بطالة متزايدة بين خريجي التعليم الجامعي دليل على قصور كفاية التعلـيم وفاعليتـه ويتطلـب ذلـك إعـادة النظر في هياكل التعليم الجامعي وسياساته بما يضمن نوعا من التوازن بين المقبولين في التخصصات العلمية والنظرية.
وللأسف تراجعت الجامعات المصرية بسبب الزيادة السكانية، وعدم مواكبة التعليم الجامعى لهذه الزيادة.
وإذًا أردنا تغيير الواقع لابد علينا التركيز على التعليم والصحة والاقتصاد؛ فلم تعد الدعوات لإصلاح النظم التعليمية قاصرة على دول العالم الثالـث بـل أصـبحت اليوم تشغل بال دول العالم المتقدم والنـامي على حد سواء.
وتعـد الولايـات المتحـدة الأمريكيـة مـن أوائـل دول العالم المتقدم التي اهتمت بضرورة إصلاح نظامها التعليمي حين أصدرت تقريرها، أمة فـي خطـر عام 1983، لتحديــد بعــض نــواحي القــصور فــي نظامهــا التعليمــي وضــرورة العمــل علــى تحسين هذه النواحي.
ومنذ ذلك الحين بدأت الدعوات لإصلاح الأنظمة التعليمية بـدول العـالم المختلفـة حتى تتناسب مـع متطلبـات العولمـة وثـورة المعلومـات والتكنولوجيـا وتأهيـل الـشعوب للـدخول إلـى القـرن الواحد والعشرين.
وفرضت المتغيارت العالمية المتسارعة في عصر العولمة وثورة المعرفة تحديات كثيرة على مختلف الأنظمة التعليميـة، الأمـر الـذي أدى إلى أن الكثيـر مـن تلك الأنظمـة قامـت بجهـود متعـددة لإصـلاح مؤسـساتها لتتناسـب مـع هـذه التطو ارت والمتغيارت.
ودائما مـا تلقـي المتغيـارت المجتمعيـة علـى التعلـيم بتبعـات تحـتم ضـرورة مواكبته والتكيف مع متطلباته من قبل أفراد ومؤسسات ونظم المجتمع وهو أمـر أصـبح صـميم أي نظام تعليمي ناجح، ومن ثم فإن قوى السوق التـي تعتمـد علـى التغيـر الـسريع فـي أشـكالها ونظمهـا لا تتيح للتعليم الذي يعتمد في عمله على مبدأ التكوين والتراكم المعرفي والمعلوماتي قيادة عمليات التغيير بكافة صورها، بـل تعمـل هـذه الـنظم التعليميـة أيـضا علـى إضـعاف الثقـة فـي قـدراتها علـى تـوفير الـسبل الضرورية لخريجيها للتكيف الإيجابي مع عمليات التحديث.
وفى مصر اليوم ٧٣ جامعة، 27 جامعة حكومية، و25 جامعة خاصة، و21 جامعة أهلية، موجودة الآن فعليا، هذا إلى جانب عدد آخر فى الطريق.
وعدد سكان مصر نحو 105 ملايين، لذلك نجد أن عدد الجامعات فى مصر أصبح كافيا ويستوعب أعدادا أكبر من المتاح فى سوق التعليم الجامعى، مما يتيح الفرصة أمام جذب أعداد أكبر من الوافدين من الدول العربية والأفريقية.
وبلغ عدد طلاب الثانوية العامة هذا العام نحو 650 ألف طالب وطالبة لجميع الشعب تقريبا، وهى الأعداد التى تتأهب الآن للالتحاق بالتعليم الجامعى، وتحتاج إلى مكان لها فى الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة.
وعلـي الــرغم مــن أن الهــدف مــن الــسماح بإنــشاء الجامعــات الخاصــة هــو تخفيــف العــبء عــن الجامعات الحكومية ومساعدتها في تنمية المجتمع المحلي إلا إنها أصـبحت علـى العكـس مـن ذلـك، فقـد تركت هذه الجامعات آثارا سلبية على المجتمع، فبعـض هـذه الجامعـات هـي مؤسـسات تـستهدف الـربح ممـا يجعلهـا تـستخدم أسـاليب لجـذب طلاب قد لا تتوافر فيهم المقاييس والمواصفات المطلوبة لطالب الجامعة ممـا يـؤثر فـي النهايـة على نوعية مخرجات هذه الجامعات من خريجين، وهو ما يتنافى مع ما جاء به القانون.
كذلك اعتماد بعض هذه الجامعات علـى أعـضاء هيئـة التـدريس مـن الجامعـات الحكوميـة ممـا يـسهم في إضعاف الجامعات الحكومية وحرمانها من خبرة أعضاء هيئة لتدريس بها.
كذلك قد لا تقدم الجامعات الخاصة بـرامج تعليميـة تلبـي الاحتياجـات الحقيقيـة للمجتمع، وقد تساعد في إيجاد تميزات طبقية داخل المجتمع نتيجة التمايز في التعلـيم، فمعظــم طــلاب الجامعــات الخاصــة مــن طبقــات اجتماعيــة متميــزة وعنــد تخــرجهم يعملــون فــي وظائف واعدة على حساب أبنـاء الطبقـات الأخـرى الـذين قـد يكونـوا أفـضل مـنهم فـي الإمكانـات والقدرات.
كما أن هناك العديد من المؤشرات التي تدل علـى قـصور الخدمـة التعليميـة فـي بعض الجامعـات الخاصـة مثل تجاوز الأعداد المقررة للقبول في بعض الكليات مثل كليات الطـب والـصيدلة وطـب الأسـنان، حيـث يتم قبول أعداد تفوق الأعداد المقرر قبولها ممـا يـؤثر سـلبا علـى سـير العمليـة التعليميـة خاصـة وأنه يتم قبول بعض الطلاب في بعض الجامعات بأقل من الحد الأدنى المقرر لمجمـوع درجـات القبـول.
وما سبق أدى إلـى انتـشار ظـاهرة الـدروس الخـصوصية بـين الطـلاب ممـا يعطـي مؤشرًا علـى ضـعف مستواهم العلمي وعدم تحقيق الجودة بهذه الكليات.
ولعل أهم خطر تمثله الجامعات الخاصة على المجتمع المـصري يتمثـل فـي انتزاع التعلـيم الجـامعي مـن إطـاره الثقـافي الـوطني أو القـومي فـولاءات الجامعـات أسـاتذة وطلابـا قـد لا تكـون للثقافـة القوميـة والهوية الوطنية، وذلك بسبب انفتاح بعض هذه الجامعات على الثقافـة العالميـة ممـا يـؤثر علـى وحـدة المجتمع وتماسكه.
هذا فضلا عن تعارض هذه الجامعات مع مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية الذي التزمت به الدولة المصرية منذ منتصف القرن العشرين حيث تتيح الجامعات الخاصة فرصا للقادرين اقتـصاديا وقد يكونون غير مؤهلين لذلك في حين لا يمكن لطالب لديه الاستعدادات والقدرات التي تؤهلـه لمواصـلة تعليمه الالتحاق بهذه الجامعات بسبب فقره.
وبالفعل تحققت التخوفات القائمة على أن سعي أصحاب الجامعـات الخاصـة إلـى الـربح يعـد تهديـدا للسلام الاجتماعي واخلالا بمبدأ تكـافؤ الفـرص التعليميـة خاصـة وأن العديـد مـن الجامعـات الخاصـة فى قلعـة الرأسـمالية – الولايـات المتحـدة الأمريكيـة – جامعـات لا تهـدف إلـى الـربح وتمـول مـن خـلال الهبـات والتبرعات والمنح وما تقدمه لها المؤسسات الصناعية والتجارية الكبرى من دعـم.
ومـن ثـم أصـبح هـذا النوع من التعليم في مصر هو بوابة الدخول إلى الصفوة. ولـم تكتفـي الدولـة بمـا يقـوم بـه انتـشار الجامعـات الجامعـات الخاصـة مـن إيجـاد نـوع مـن الخلـل الاجتماعي وتعميقه بين الطبقـات الاجتماعيـة ممـا يـؤثر سـلبا علـى الانتمـاء والهويـة الوطنيـة والاعتـزاز بالمواطنة بل عملت أيضا علـى إتاحـة بعـض البرامج المميـزة عاليـة المـصاريف ضـمن برامج الجامعـات الحكومية.
اقرأ أيضا للكاتب: