د. قاسم المحبشى يكتب: قراءة في رواية حميد الرقيمي (1من2)
لا ظل بلا جسم، فحينما يحضر الشخص أو الكيان الحسي يحضره ظلّه. فالظّل والجسم متلازمان في الضوء والنهار ولا ينفصلان إلا حينما يسود الظلام. إذ يقع الظل من جانب شيء ما مواجهًا لمصدر الضوء.
وإذا كان مصدر الضوء أصغر من الجسم الحاجز، يكون الظل متساوي العتمة. أما المصدر الواسع للضوء فيعكس ظلاً قاتم المركز يسمى الظل الكامل. ويحاط الظل الكامل بمنطقة أقل قتامة تسمى الظل المشعشع.
ويكون الظل قاتمًا لأن الشيء يحجز كل الضوء الموجَّه نحو السطح. فأين يمكن العثور عن الظّل إذ غاب الجسم الذي يمنح الظلّ كينونته وحدوده. منذ أن أهداني الروائي الواعد حميد الرقيمي روايته الأولى الظل المنسي وأنا أبحث في المعنى والدلالة ” رهبة خبيثة تقف في عيني، لا أعرف هل ألوم نفسي، أم بلدي، أم السجّان، أم هذه الجدران الملطّخة بالموت؟ كلنا ضحايا .. أحياناً نفقد إيماننا.. يتصاعد سخطنا من كل شيءٍ ، هل الله يراقب هذا كله بصمت، هل سيمد يده وينتشلنا من هذا الجحيم، وهل هناك جحيم أكثر من هذا؟ تأتينا هذه الأسئلة المخيفة ونحن في ذروة الألم، نرجو الله يدا تسلبنا الحياة ، يدا تعيدنا سيرتنا الأولى، لا نريد انتقاما من أحد، نريد فقط نهاية لهذا كله.. أن نقف من جديد وكل شيء في طي النسيان.. نطلب من الله المغفرة، وما أن نهدأ بالتوبة حتى تعود الوحوش من جديد، تدهس على قلوبنا ونعاود المناجاة والرجاء والتساؤلات الخفية” ص ٦٤.
استوقفتني هذه الزفرة الحارقة التي جاءت في قلب الظل المنسي كصرخة في وجه الوجع الذي لا يطاق.
إنها صرخة الضعف الإنساني في لحظة انسداد الآفاق والحصار المطبق الموغل في وحشيته وظلامه الوبيل.
لعل صورة اليمن الآن وما تعيشه من اختناق لم يشهد له التاريخ مثيل. لا شيء غير الله ينقذنا.
ففي لحظة احتدام الموت والوجع والفجيعة يبوح الكائن بحقيقة ضعفه الإنساني وآهات عذاباته الرهيبة حتى تمنى الغياب والنسيان واليأس هو ركة القدم الأخيرة التي يوجهها الموجوع للبؤس والضياع.
فكيف يمكن قراءة رواية ولدت لتوها وفي حضور صاحبها؟ وهل يحتاج القاري الناقد إلى قراءة نظريات السرد الروائي المدونة في تاريخ النقد الأدبي؟ ومنها؛ الأسلوبية والانطباعية والشكلانية والواقعية والموضوعية والسيميائية والفنومولوجية والتأويلية والتفكيكية، الخ.
يُجيل لي أن هدف القارئ هو وضع الرواية على مجمرة المعنى! والكشف عن الرسالة الظاهرة والمضمرة في الرواية وتأويلها وكل قارئ لديه كامل الحرية بفهم الراوية وتأويلها كما يحب ويرضى.
ولا سلطة ولا سلطان عليه يرغمه في قول قراءته للنص أو الخطاب المعني. الرسالة بمعناها الواسع البنيوي والأسلوب والجمالي والاجتماعي والثقافي والنفسي والفلسفي، فكل شيء في الرواية له معنى ودلالة (الشخوص واسمائها، اللغة وبناءها، والأمكنة وسياقاتها المتزامنة، الأحداث واحتدامها، المواقف واتجاهاتها).
.. انتظرونا فللكلام بقية.