أسماء خليل تكتب: هل أسكنُ بجوار العمل
في واحدة من أهم الأفكار المغلوطة لدى الشعب المصري، وقد ترتب عليها التكدس السكاني؛ هي إيجاد السكن قبل العمل !..حيث يبدأ الشاب حياته وقد وجد أبيه أو أمه قد قاما ببناء شقة له جوارهما، أو استأجرا أي مكان سكني، واختارا له زوجة مستقبلية جارة في البلدة لكي يظل مقيما جوارهما.. وهنا تأتي المشكلة الحتمية.. كيف يجد عملا مناسبا لذهابه وإيابه بسهولة جوار مسكنه، وربما اضطر لتأجيل بعض أحلامه بسبب ذلك الوضع.
لنتأمل أكثر شعوب العالم تقدما حتى الآن وماذا كانوا يفعلون؛ لنتعلم منهم، وحتمًا ليس هناك أجدر من الحضارة المصرية القديمة التي لم ولن تضاهيها حضارة.. فنجد أن المصري القديم كان ينتقي قطعة أرض مناسبة، ثم يقم بالعمل على حرثها وبذرها، ومن ثم يبني على رأسها بيتا كي يراعي زرعته ونموها حتى حصادها، ويعيش هو وزوجته في ذلك المكان حتى تكوين أسرة وتحقيق الاستقرار الذي يُعد واحدًا من أهم العوامل البشرية لتحقيق الحضارة..
إنه لم يترك زرعته تنمو وهو ليس أمامها يتابعها ويرعاها، إنها عمله.. وظيفته، وقد اختار العمل قبل السكن، لتتحقق الرفاهية المعنوية بالهدوء والسكينة ..ورغم كل جهود التعمير التي حظى بها الشعب المصري على أرضه، ومحاولة الخروج من الصندوق الخانق بالمدن المكدسة المأهولة بالسكان؛ ألا أن الخريطة لم تتغير بعد، فمازال اللون الأصفر يلون عليها 96% من مساحتها وما ومازال اللون الأخضر يلون 4% من الباقي،،
إن تلكما اللونين هما دلالة العمار واللا عمار، فإلى متى ستظل بعض الألوان و المفاهيم الداخلية ينعكس صداها على المجتمع بذلك الشكل؟!.. لابد من التحضر الحقيقي للأخضر، بمحاولة خروج الفرد عن المألوف، وانتقاله من مسقط رأسه إلى تثبيت قدم شعب بأكمله..
حينما انتقل كثير من العمال وأصحاب الحرف إلى المعيشة ببعض المناطق السكنية الجديدة، باتت شكواهم من انقطاع رزقهم؛ بسبب عدم وجود ناس يطلبون خدمات منهم، فسرعان ما عاثوا مرة أخرى التجاءًا إلى المدن المُتكدسة والمحاطة بالتلوث؛ كي يجدوا عملًا، رغم أن الله – سبحانه وتعالى – أمرنا في محكم آياته بسورة المُلك أن نسعى بالأرض كلها، حيث قال “ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ”..
على النقيض تجد أن هناك أعرافًا اجتماعية، تتعارض مع شرع الله – سبحانه وتعالى – أو على أقل تقدير ليس لها أصل في القرآن الكريم أو السنة المُطهرة، فهل هناك آية أو حديث نبوي يحث على عدم الارتحال من مكانك الذي وُلدت فيه، أو بيعك لجزء كنت تملكه للتنقل إلى مكان آخر سيكون فيه رزقك أفضل ؟!..
ربما تتغلب العاطفة على الواقع، ورغم دعوة الدين للحب والسلام ومخاطبته العاطفة، فليس أكثر من كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأحدهم، هل أحببتَ فلانا؟!.. قال: نعم.. قال عليه الصلاة والسلام : فهل أخبرته؟!.. قال : لا.. فرد الرحمة المُهداة أَخْبِرهُ بذلك، فهذا إنما يدل على العواطف الجياشة التي لابد أن يحظى بها بني البشر، ولكنه رغم ذلك هاجر من مكة إلى الحبشة ومنها إلى مكة مرة أخرى ثم إلى المدينة..
سعيا في الأرض ليكن اتجاهنا ومقصدنا.. إلى أي مكان تجد فيه نفسك.. إنها أرضك ووطنك.. فقم أنت بتعميرها والبناء عليها، بأى مكان.. شرقها أم غربها.. لا تتمسك بمكان بعينه.. وقم أنت بزراعة صحرائها الجدباء وأوجد أنت الزرع والماء.