عاطف عبد الغنى يكتب: بعد الكشف عن مذبحة طنطورة
“كنت قاتلاً”.. ضحكات ساخرة تؤطر اعترافات المسنيين والكهول من ضباط وجنود الكيان الصهيونى السابقون، وهم يعترفون بعقل بارد، امام الكاميرات بارتكاب مجزرة الطنطورة في فيلم وثائقي يفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال النكبة الفلسطينية.
بالتأكيد هؤلاء ليسوا بشرا.. أذكركم، ونفسى بفيلم “روح شاكيد” الذى وثّق بالصوت والصورة، واعترافات الجناة، المجازر التى ارتكبتها فرقة شاكيد الإسرائيلية ضد الجنود المصريين الأسرى فى حرب 67.
اليوم – لا أقول يعترف – ولكن يعلن القتلة بدم بارد وبفخر بطولى عن فصل من فصول وقائع إبادتهم الجماعية، كان شبه مجهول لنا، ربما لكثرة المجازر الإسرائيلية، وربما لمرور وقت طويل نسبيا عليها، حيث وقعت المجزرة بتاريخ 22 مايو عام 1948 وطالت سكان قرية الطنطورة أحدى القرى الفلسطينية وموقعها على الساحل الجنوبى لمدينة حيفا الفلسطينية، وتم خلالها قتل واغتصاب المئات من سكان القرية بعد ترويعهم، وبالطبع هرب من نجا من أهل القرية بحياته، تاركا ورائه أرضه وممتلكاته، ليستلبها عصابات اليهود.
مجازر إسرائيل لم تتوقف عند سنوات الحرب، الأولى ونكبة سنة 1948، ولا ضد الفلسطنيين فقط، ولكنها طالت مصريين، وأردنيين، وسوريين، وعراقيين، وارتكبوها فى الحروب النظامية، وفى الغزوات الفردية، وفى الغارات الجوية والأرضية، والسجل طويل والقائمة متخمة بأسماء كفر قاسم، وبحر البقر، ومصنع أبو زعبل، وصبرا وشاتيلا، وقانا، والجولان، وغيرها من طافح الكيل.
واليوم جاء من يكشف عن هذه المذبحة من خلال فيلم وثائقى يحمل عنوان “طنطورة”، والفيلم صدر لأول مرة فى يناير من هذا العام 2022 الذى يوشك على الانتهاء، وما أثار دهشتى أنه لم يثر كثير من الانتباه إعلاميا إلا خلال الأيام القليلة الفائته، وربما احتاج هذا الوقت ليأخذ حقه فى الجدل بين الفلسطنيين، والإسرائليين أنفسهم، وتم إلقاء الضؤ عليه بعد أن عرض هذا الأسبوع فى رام فى عرض حضره الرئيس الفلسطينى محمود عباس، ومسئولو السلطة الفلسطينية، وعدد من سفراء الدول، ولن أسأل لماذا انتظر المسئولون الفلسطينيون عاما بطوله حتى يتعاطوا مع الحدث ويتفاعلوا معه، هل ترى أغراهم إعلان أن الفيلم مرشح للأوسكار كأحسن فيلم وثائقى فأرادوا أن يلحقوا بالضجة المثارة حوله الآن؟!.
مفاجأة أخرى وهى أن مخرج وثائقى “طنطورة” إسرائيلى، اسمه ألن شفارتز، وتوصل إلى فكرة الفيلم بعد الاطلاع على بحث أكاديمى قدمه باحث إسرائيلى أيضا فى جامعة حيفا، اسمه تادى كاتز، وقام الأخير بتسجيل ما لايقل عن 100 ساعة من شهادات الجنود الإسرائليين، وسكان القرية، ويقول الباحث أنه واجه عواقب جمة بعد ذلك، إن فيلمه يثبت الرواية بأن مذبحة كبيرة وقعت في قرية الطنطورة في 1948، وإن هذا عكس الرواية التي تقول إن ما حدث لم تكن أحداث على هامش المعركة وعدد الضحايا محدود”.
ناقدة سينمائية أمريكية تدعى روزا بارا وصفت ما جاء فى وثائقى “الطنطورة” الذى صنعه مخرج إسرائيلى بأنه: “مفجع وثاقب عن التطهير العرقي الذي حدث في طنطورة”، وأضافت متسائلة: “كيف لا تزال تداعيات هذه الأحداث محسوسة حتى اليوم؟!”.
فى سياق ليس بعيدا عن ملف الإجرام الإسرائيلى، نشير إلى أن ملف قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة دخل المحكمة الجنائية الدولية، ودون أن نمنى أنفسنا كثيرا فيما سيصدر عن مؤسسة من مؤسسات العدالة الأممية ضد الجناة، أو لصالح (العرب) المجنى عليهم، إلا أن هناك فى الأفق ما يشير إلى أن الدائرة دارت، فعدالة السماء دائما ما تعلن عن حضورها، وما شاهدناه فى ملاعب الكرة فى قطر، من المساندة الشعبية للقضية الفلسطنية، وفى أماكن أخرى عديدة فى دول العالم، وأوروبا، وما نراه من تغير موازيين القوى، هى مقدمات لحدث جلل ربما يكون صعبا على كثيرين أن يتخيلوه، لكننى والله أراه أمام ناظرى، خاصة وأن العالم يتأكد الآن أن فى فلسطين المحتلة هناك مجرمين وقتلة، ويعاملهم على هذا الأساس، لكن بشرط أن نساند نحن قضيتنا، بإرادة قوية، ودون تخاذل أو السقوط فى فخ الحسابات الفرعية التى أضرتنا كثيرا، حكاما وشعوبا.